غني وهذا فقير. " إلا من رحم ربك " بالقناعة، قاله الحسن. (ولذلك خلقهم) قال الحسن ومقاتل، وعطاء [ويمان] (1): الإشارة للاختلاف، أي وللاختلاف خلقهم. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: ولرحمته خلقهم، وإنما قال: " ولذلك " ولم يقل ولتلك، والرحمة مؤنثة لأنه مصدر، وأيضا فإن تأنيث الرحمة غير حقيقي، فحملت على معنى الفضل. وقيل. الإشارة بذلك للاختلاف والرحمة، وقد يشار ب " ذلك " إلى شيئين متضادين، كقوله تعالى:
" لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك " (2) [البقرة: 68] ولم يقل بين ذينك ولا تينك، وقال: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " (3) [الفرقان: 67] وقال: " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا " (4) [الإسراء: 110] وكذلك قوله: " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا " (5) [يونس: 58] وهذا أحسن الأقوال إن شاء الله تعالى، لأنه يعم، أي ولما ذكر خلقهم، وإلى هذا أشار مالك رحمه الله فيما روى عنه أشهب، قال أشهب: سألت مالكا عن هذه الآية قال: خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير، أي خلق أهل الاختلاف للاختلاف، وأهل الرحمة للرحمة. وروي عن ابن عباس أيضا قال: خلقهم فريقين، فريقا يرحمه وفريقا لا يرحمه.
قال المهدوي: وفي الكلام على هذا التقدير تقديم وتأخير، المعنى: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين، ولذلك خلقهم.
وقيل: هو. متعلق بقوله " ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " [هود: 103] والمعنى:
ولشهود ذلك اليوم خلقهم. وقيل: هو متعلق بقوله: " فمنهم شقي وسعيد " [هود: 105] أي للسعادة والشقاوة خلقهم.
قوله تعالى: (وتمت كلمة ربك) معنى " تمت " ثبت ذلك كما أخبر وقدر في أزله، وتمام الكلمة امتناعها عن قبول التغيير والتبديل. (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) " من " لبيان الجنس، أي من جنس الجنة وجنس الناس. " أجمعين " تأكيد، وكما أخبر أنه يملأ ناره كذلك أخبر على لسان نبيه [صلى الله (6) عليه وسلم] أنه يملأ جنته بقوله: " ولكل واحدة منكما ملؤها ". خرجه البخاري من حديث أبي هريرة وقد تقدم.