يكن ذلك ضاعت الحقوق وبطلت. فيكون المعنى ولا يأب الشهداء إذا أخذوا حقوقهم أن يجيبوا. والله أعلم. فإن قيل: هذه شهادة بالأجرة، قلنا: إنما هي شهادة خالصة من قوم استوفوا حقوقهم من بيت المال، وذلك كأرزاق القضاة والولاة وجميع المصالح التي تعن (1) للمسلمين وهذا من جملتها. والله أعلم. وقد قال تعالى: " والعاملين عليها (2) " ففرض لهم.
التاسعة والثلاثون - لما قال تعالى: " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " دل على أن الشاهد هو الذي يمشى إلى الحاكم، وهذا أمر بنى عليه الشرع وعمل به في كل زمان وفهمته كل أمة، ومن أمثالهم: " في بيته يؤتى الحكم ".
الموفية أربعين - وإذا ثبت هذا فالعبد خارج عن جملة الشهداء، وهو يخص عموم قوله: " من رجالكم " لأنه لا يمكنه أن يجيب، ولا يصح له أن يأتي، لأنه لا استقلال له بنفسه، وإنما يتصرف بإذن غيره، فانحط عن منصب الشهادة كما انحط عن منزل الولاية.
نعم! وكما انحط عن فرض الجمعة والجهاد والحج، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الحادية والأربعون - قال علماؤنا: هذا في حال الدعاء إلى الشهادة. فأما من كانت عنده شهادة لرجل لم يعلمها مستحقها الذي ينتفع بها، فقال قوم: أداؤها ندب لقوله تعالى:
" ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " ففرض الله الأداء عند الدعاء، فإذا لم يدع كان ندبا، لقوله عليه السلام: " خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها " رواه الأئمة. والصحيح أن أداءها فرض وان لم يسألها إذا خاف على الحق ضياعه أو فوته، أو بطلاق أو عتق على من أقام على تصرفه على الاستمتاع بالزوجة واستخدام العبد إلى غير ذلك، فيجب على من تحمل شيئا من ذلك أداء تلك الشهادة، ولا يقف أداؤها على أن تسأل منه فيضيع الحق، وقد قال تعالى: " وأقيموا الشهادة لله (3) " وقال: " إلا من شهد بالحق وهم يعلمون (4) ". وفى الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: " انصر أخاك ظالما أو مظلوما ". فقد تعين عليه نصره بأداء الشهادة التي له عنده إحياء لحقه الذي أماته الانكار.