" أن تكتبوه " في موضع نصب بالفعل. " صغيرا أو كبيرا " حالان من الضمير في " تكتبوه " وقدم الصغير اهتماما به. وهذا النهي عن السآمة إنما جاء لتردد المداينة عندهم فخيف عليهم أن يملوا الكتب، ويقول أحدهم: هذا قليل لا أحتاج إلى كتبه، فأكد تعالى التحضيض (1) في القليل والكثير. قال علماؤنا: إلا ما كان من قيراط ونحوه لنزارته وعدم تشوف النفس إليه إقرارا وإنكارا.
الخامسة والأربعين - قوله تعالى: (ذلكم أقسط عند الله) معناه أعدل، يعنى أن يكتب القليل والكثير ويشهد عليه. (وأقوم للشهادة) أي أصح وأحفظ. (وأدنى) معناه أقرب. و (ترتابوا) تشكوا.
السادسة والأربعون - قوله تعالى: و " وأقوم للشهادة " دليل على أن الشاهد إذا رأى الكتاب ولم يذكر الشهادة لا يؤديها لما دخل عليه من الريبة فيها، ولا يؤدى إلاما يعلم، لكنه يقول: هذا خطى ولا أذكر الآن ما كتبت فيه. قال ابن المنذر: أكثر من يحفظ عنه من أهل العلم يمنع أن يشهد الشاهد على خطه إذا لم يذكر الشهادة. واحتج مالك على جواز ذلك بقوله تعالى: " وما شهدنا إلا بما علمنا (2) ". وقال بعض العلماء: لما نسب الله تعالى الكتابة إلى العدالة وسعه أن يشهد على خطه وإن لم يتذكر. ذكر ابن المبارك عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه في الرجل يشهد على شهادة فينساها قال: لا بأس أن يشهد إن وجد علامته في الصك أو خط يده. قال ابن المبارك: استحسنت هذا جدا. وفيما جاءت به الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حكم في أشياء غير واحدة بالدلائل والشواهد، وعن الرسل من قبله ما يدل على صحة هذا المذهب. والله أعلم. وسيأتي لهذا مزيد بيان في " الأحقاف (3) " إن شاء الله تعالى.
السابعة والأربعون - قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة (4) حاضرة تديرونها بينكم) " أن " في موضع نصب استثناء ليس من الأول، قال الأخفش [أبو سعيد (5)]: أي إلا أن تقع تجارة، فكان بمعنى وقع وحدث. وقال غيره: " تديرونها " الخبر. وقرأ عاصم وحده " تجارة "