الحسن في ابتداء الخلق، سواء كان ذلك النفع راجعا إلى نفس المخلوق أو إلى غيره أو إليهما، فإن جميع ذلك وجه الحسن إذا تعرى من وجوه القبح.
فإذا ثبت ذلك فالمكلف منفوع بالتفضيل ومنفوع بالثواب، وإن كان المعلوم أنه يؤلم لمصلحته أو مصلحة غيره فهو منفوع أيضا بالعوض، فتجتمع فيه الوجوه الثلاثة، وغير ذلك المكلف منفوع بالتفضيل قطعا وبالعوض إن كان في إيلامه مصلحة لغيره من المكلفين.
وإذا كان وجه الحسن الخلق ما فيه من النفع فينبغي أن يكون أول ما يخلقه الله تعالى حيا، لأن النفع لا يصح إلا على الحي، ولا بد أن يخلق فيه شهوة لمدرك يدركه فيلتذ به سواء كان هو أو غيره.
ويجوز أن يبتدئ الله تعالى بخلق الجماد إذا علم أنه يخلق فيما بعد حيا مكلفا يكون من لطفه اختياره خلق جماد قبله، فإن لم يكن ذلك معلوما لم يحسن الابتداء بخلق الجماد. ونحن نعود إلى ما وعدنا به من اعتبار شرائط حسن التكليف.
أما صفات المكلف تعالى فيجب أن يكون حكيما مأمونا منه فعل القبيح والاخلال بالواجب ليعلم انتفاء وجه القبح عن هذا التكليف، وقد مضى بيان ذلك في باب العدل.
ويجب أن يكون قادرا على الثواب الذي عرض بالتكليف له وعالما بمبلغه، وقد بينا حين بينا أنه قادر لنفسه وعالم لنفسه.
ولا بد أن يكون له غرض في التكليف، ويستدل على ذلك فيما بعد.
ويجب أن يكون منعما بما يجب له به العبادة، والعبادة لا تستحق إلا بأصول النعم من خلق الحياة والشهوة والبقاء والقدرة وكمال العقل وخلق المشتهي وغير ذلك مما لا يدخل نعمة كل منعم في كونها نعمة إلا بعد تقدمها،