الذي هو أمر معقول معلوم، والكسب ليس بمعقول ولا معلوم.
فإن قيل: كيف لا يكون معقولا والانسان يفصل بين أن يمشي مختارا وبين أن يسحب على وجهه.
قلنا: الفرق يرجع إلى ما قلناه من أن مشيه مختارا متعلق به وبإيثاره، وإذا سحب على وجهه كانت الحركة فيه ضرورية فلذلك فرق بينهما.
فإن قيل: يتجدد عند دواعينا صفات من حسن وقبح وحلول في محل وكونه غرضا وغير ذلك، فلم قلتم أن الذي يتعلق بنا الحدوث دون شئ من ذلك؟
قلنا: أما الحسن والقبح فقد يخلو كثير من الأفعال منهما، نحو كلام الساهي والنائم وحركة أعضائه التي لا يتعداه وحلوله في المحل ليس له به صفة، وإنما يفيد أنه من قبيل ما لا يجب بقاؤه كبقاء المحل.
ثم كثير من الأفعال يخلو من محل كالجوهر والغناء وإرادة القديم وكراهته ولا يخلو فعل من حدوث فينبغي أن يكون جهة الحاجة الأمر الشائع في سائر الأفعال وسائر القادرين.
واستقصاء ما يورد على هذا الدليل وشعبه قد استوفيناه في شرح الجمل، وفيما ذكرناه كفاية إنشاء الله.
وإنما قلنا: إنما هو مقدور لنا لا يجوز أن يكون مقدورا له لأن ذلك يؤدي إلى كونه موجودا معدوما، لأنا لو فرضنا أن الواحد منا دعته الدواعي إلى إيجاده وجب حدوثه من جهته وإذا لم يرده الله تعالى يجب أن لا يوجد، مجتمع في فعل واحد وجوب حدوثه ووجوب انتفائه، وذلك محال فوجب بطلانه على كل حال.
ومما يدل أيضا على أن الواحد منا محدث لأفعاله، أنه يحسن مدحنا على بعض الأفعال وذمنا على بعض، لأن من فعل الطاعة يحسن مدحه ومن فعل