وكالمسك الذي يخرج من بعض الظباء والعنبر الذي يخرج من البحر، فيعلم بذلك أن مصرف ذلك وصانعه قادر عالم لتأتي ذلك واتساقه ولعجزه وعجز أمثاله عن ذلك، فيعلم بذلك أنه مخالف لجميع أمثاله، فيكون عارفا بالله على الجملة.
وكذلك إذا نظر إلى السماء صاحية فتهب الرياح وينشأ السحاب ويصعد ولا يزال يتكاثف ويظهر فيه الرعد والبرق والصواعق، ثم ينزل منه من المياه والبحار العظيمة التي تجري منها الأنهار العظيمة والأودية الوسيعة، وربما كان فيه من البرد مثل الجبال، كل ذلك في ساعة واحدة ثم تنقشع السماء وتبدو الكواكب وتطلع الشمس أو القمر كأن ما كان لم يكن من غير تراخ ولا زمان بعيد، فيعلم ببديهة أنه لا بد أن يكون من صح ذلك منه قادرا عليه ممكن منه 1) وأنه مخالف له ولأمثاله، فيكون عند ذلك عارفا بالله.
وأمثال ذلك كثيرة لا نطول بذكره، فمتى عرف الإنسان هذه الجملة وفكر فيها هذا الفكر واعتقد هذا الاعتقاد، فإن مضى على ذلك ولم يشعثه خاطر ولا طرقته شبهة فهو ناج متخلص.
وأكثر من أشرتم إليه يجوز أن يكون هذه صفته، وإن بحث عن ذلك وعن علل ذلك فطرقته شبهات وخطرت له خطرات وأدخل عليه قوم ملحدون ما حيره وبلبله، فحينئذ يلزمه التفتيش ولا تكفيه هذه الجملة، ويجب عليه أن يتكلف البحث والنظر، على ما سنبينه ليسلم من ذلك ويحصل له العلم على التفصيل.
ونحن نبين ذلك في الفصل الذي يلي هذا الفصل على ما وعدنا به إنشاء الله.
فإن قيل: أصحاب الجمل على ما ذكرتم لا يمكنهم أن يعرفوا صفات الله تعالى وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه منها على طريق الجملة، وإذا لم