النبي عليه السلام عن هذا الأمر، فإن كان فينا عرفناه وإن كان في غيره أوصاه بنا. ويقول له في دفعة أخرى: أمدد يدك أبايعك فيقول الناس عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف علين اثنان ولو كان منصوصا عليه لما احتاج إلى ذلك وكان لا يخفى على العباس.
قلنا: أما رغبته إلى سؤال النبي لم يكن لشك في مستحق الأمر، وإنما قال ذلك ليعلم هل يثبت ذلك فيهم ويسلم لهم أم لا، فلذلك أراد مسألته لا عن موضع الاستحقاق. وأما مبايعته فقد بينا أنه إنما طلب ذلك لما رأى أن القوم يتحادثون الأمر من جهة الاختيار وتركوا النص ودخلت إليه شبهة بين الأكثر أراد أن يحتج عليهم بمثل ما هم يطلبون، فلم يجبه أمير المؤمنين عليه السلام لما علمه من جهة النبي وما يؤول الأمر إليه فلذلك لم يجب العباس إلى ما دعاه إليه.
فإن قالوا: كيف يكون منصوصا عليه وهو يعينهم في كثير من الأحكام مستفهما ومستفتيا، فكان يجب أن ينقض أحكامهم لما أفضى إليه الأمر وكان ينبغي أن يسترد فدكا إلى أربابها، وفي عدوله عن ذلك دليل على بطلان ما تدعونه.
قلنا: أما فتياه لهم فمما لا يسوغ له الامتناع منه، لأن عليه إظهار الحق والفتوى إذا لم يخف وآمن الضرر، ولا سؤال على من أظهر الحق وإنما السؤال فيمن أبطن. وأما إقراره أحكام القوم فإنه لم يمكن خلاف ذلك وإنما أفضي الأمر إليه بالاسم دون المعنى، وأكثر من بايعه كان معتقدا لإمامة القوم، فكيف يتمكن من نقض أحكامهم، ولذلك قال لقضاته وقد سألوه: بم نحكم؟
فقال: اقضوا بما كنتم تقضون حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي - يعني من مات من شيعته - وخالف في مسائل علم شاهد الحال بأن الخلاف فيها لا يوحش وأمسك عما يورث الوحشة.
وأما فدك فإنما لم يردها لما قلناه من التقية وإن ردها يؤدي إلى تظلم القوم