لكم على مفارقة الدين ولا نصبر لكم على مفارقتكم، ومفارقة الأموال، والمساكن، فأعلم الله عز وجل أن من كان بهذه الصورة، فهو عدو، إن كان ولدا، أو كانت زوجة. وقال مجاهد: كان حب الرجل ولده وزوجته يحمله على قطيعة رحمه ومعصية ربه. وقال قتادة: كان من أزواجهم، وأولادهم من ينهاهم عن الإسلام، ويثبطهم عنه، فخرج. في قوله [عز وجل]: (عدوا لكم) ثلاثة أقوال:
أحدها: بمنعهم من الهجرة، وهذا على قول ابن عباس.
والثاني: بكونهم سببا للمعاصي، وهذا على قول مجاهد.
والثالث: بنهيهم عن الإسلام، وهذا على قول قتادة.
قوله [عز وجل]: (فاحذروهم) قال الفراء: لا تطيعوهم في التخلف.
قوله [عز وجل]: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) أي: بلاء وشغل عن الآخرة. فالمال والأولاد يوقعان في العظائم إلا من عصمة الله. وقال ابن قتيبة: أي: إغرام. يقال: فتن فلان بالمرأة، وشغف بها، أي: أغرم بها. وقال أهل المعاني: إنما دخل " من " في قوله [عز وجل]: " إن من أزواجكم " لأنه ليس كل الأزواج، والأولاد أعداء. ولم يذكر " من " في قوله [عز وجل: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) لأنها لا تخلو من الفتنة، واشتغال القلب بها. وقد روى بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يخطب، فجاء الحسن، والحسين، عليهما السلام، عليهما قميصان أحمران يمشيان، ويعثران، فنزل من المنبر، فحملهما، فوضعهما بين يديه ثم قال: " صدق الله عز وجل: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان، ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي، ورفعتهما ".
قوله [عز وجل]: (والله عنده أجر عظيم) أي: ثواب جزيل، وهو الجنة. والمعنى:
لا تعصوه بسبب الأولاد، ولا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر العظيم (فاتقوا الله ما استطعتم) أي: ما أطقتم (واسمعوا) ما تؤمرون به (وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم) وفي هذه النفقة ثلاثة أقوال.
أحدها: الصدقة، قاله ابن عباس.
والثاني: نفقة المؤمن على نفسه، قاله الحسن.
والثالث: النفقة في الجهاد، قاله الضحاك (ومن يوق شح نفسه) حتى يعطي حق الله في ماله. وقد تقدم بيان هذا في سورة الحشر وما بعده وقد سبق بيانه إلى آخر السورة.