وسل سيفه، ودخل من باب الحصن، فلما دخل الحصن إذا هو ببابين عظيمين [لم ير أعظم منهما] والبابان مرصعان بالياقوت [الأبيض] و الأحمر، فلما رأى ذلك دهش ففتح أحد البابين، فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها، وإذا قصور، كل قصر منها فيه غرف وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت. ومصاريع تلك الغرف مثل مصاريع المدينة، يقابل بعضها بعضا، مفروشة كلها باللؤلؤ، وبنادق من مسك وزعفران. فلما عاين ذلك، ولم ير أحدا، هاله ذلك، ثم نظر إلى الأزقة فإذا هو في كل زقاق منها شجر قد أثمر، وتحت الشجر أنهار مطردة يجري ماؤها من قنوات من فضة. فقال الرجل: إن هذه هي الجنة، فحمل معه من لؤلؤها، ومن بنادق المسك والزعفران ورجع إلى اليمن، فأظهر ما كان معه. وبلغ الأمر إلى معاوية، فأرسل إليه. فقص عليه ما رأى، فأرسل معاوية إلى كعب الأحبار، فلما أتاه قال له: يا أبا إسحاق: هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضة؟ قال: نعم أخبرك بها وبمن بناها؟ إنما بناها شداد بن عاد، والمدينة: " إرم ذات العماد " قال: فحدثني حديثها، فقال: إن عادا المنسوب إليه عاد الأولى، كان له ولدان:
شديد، وشداد. فلما مات ملكا بعده، ثم مات شديد وبقي شداد، فملك الأرض، ودانت له الملوك، وكان مولعا بقراءة الكتب، فكان إذا مر بذكر الجنة دعته نفسه إلى بناء مثلها عتوا على الله تعالى فأمر بصنع " إرم ذات العماد "، فأمر على عملها مائة قهرمان مع كل قهرمان ألف من الأعوان، وكتب إلى ملوك الأرض أن يمدوه بما في بلادهم من الجواهر، فخرج القهارمة وتبدوا في الأرض ليجدوا ما يوافقه حتى وقفوا على صحراء عظيمة نقية من التلال، وإذا هم بعيون مطردة فقالوا: هذه صفة الأرض التي أمر الملك أن تبنى بها، فوضعوا أساسها من الجزع اليماني، وأقاموا في بنائها ثلاثمائة سنة، وكان عمر شداد تسعمائة سنة، فلما أتوه وقد فرغوا [منها] قال: انطلقوا، واجعلوا عليها [حصنا]، واجعلوا حول الحصن ألف قصر، عند كل