قوله [عز وجل]: " تنجيكم " بالتشديد. وقرأ الباقون بالتخفيف. ثم بين التجارة، فقال [عز وجل]: (تؤمنون بالله) إلى قوله [عز وجل]: (يغفر لكم) فإن قيل كيف قال تؤمنون بالله، وقد قال يا أيها الذين آمنوا آمنوا وقد سبق ذلك الجواب عنه بنحو الجواب عن قوله يا أيها الذين آمنوا آمنوا وقد سبق ذلك قال الزجاج: وقوله: " يغفر لكم " جواب قوله: تؤمنون " وتجاهدون "، لأن معناه معنى الأمر. والمعنى: آمنوا بالله وجاهدوا، يغفر لكم، أي: إن فعلتم ذلك، يغفر لكم.
وقد غلط بعض النحويين، فقال: هذا جواب " هل " وهذا غلط بين، لأنه ليس إذا دلهم على ما ينفعهم غفر لهم، إنما يغفر لهم إذا عملوا بذلك. ومن قرأ " يغفر لكم " بادغام الراء في اللام، فغير جائز عند سيبويه، والخليل، لأنه لا تدغم الراء في اللام في قولهم. وقد رويت عن أبي عمرو بن العلاء، وهو إمام عظيم، ولا أحسبه قرأها إلا وقد سمعها من العرب. وقد زعم سيبويه والخليل وجميع البصريين، ما خلا أبا عمرو، أن اللام تدغم في الراء، وأن الراء لا تدغم في اللام، وحجتهم أن الراء حرف مكرر قوي، فإذا أدغمت في اللام ذهب التكرير منها. وما بعد هذا قد سبق إلى قوله [عز وجل]: (وأخرى تحبونها) قال الفراء: والمعنى: ولكم في العاجل مع ثواب الآخرة أخرى تحبونها، ثم فسرها فقال [عز وجل] (نصر من الله وفتح قريب) وفيه قولان:
أحدهما: أنه فتح مكة، قاله ابن عباس.
والثاني: فتح فارس والروم، قاله عطاء.
قوله [عز وجل]: (وبشر المؤمنين) أي: بالنصر في الدنيا، والجنة في الآخرة. ثم حضهم على نصر دينه بقوله [عز وجل]: (كونوا أنصار الله) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو " كونوا أنصارا لله " منونة. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي " أنصار الله " مضاف ومعنى الآية:
دوموا على ما أنتم عليه، وانصروا دين الله مثل نصرة الحواريين لما قال لهم عيسى: (من أنصاري إلى الله) وحرك نافع ياء " من أنصاري إلى الله " [وقد سبق تفسير] هذا الكلام قوله (فآمنت طائفة من بني إسرائيل) بعيسى (وكفرت طائفة) (فأيدنا الذين آمنوا) بعيسى (على عدوهم) وهم مخالفو عيسى، كذلك قال ابن عباس، ومجاهد، والجمهور، وقال مقاتل: تم الكلام عند قوله [عز وجل]: (وكفرت طائفة)، (فأيدنا الذين آمنوا) بمحمد (على عدوهم فأصبحوا ظاهرين) بمحمد على الأديان وقال إبراهيم النخعي: أصبح من آمن بعيسى ظاهرين بتصديق محمد [صلى الله عليه وسلم] أن عيسى كلمة الله وروحه بتعليم الحجة. قال ابن قتيبة: (فأصبحوا ظاهرين) أي: غالبين عليهم [بمحمد]. من قولك: ظهرت على فلان: إذا علوته، وظهرت على السطح: إذا صرت فوقه.