بينهما كلام معترض. وما بعده قد سبق بيانه إلى قوله [عز وجل]: (كلا بل ران على قلوبهم) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر " بل ران " بفتح الراء مدغمة، وقرأ أبو بكر عن عاصم " بل ران " مدغمة بكسر الراء. وقرأ حفص عن عاصم " بل " بإظهار اللام " ران " بفتح الراء وقرأ حمزة والكسائي بادغام اللام بكسر الراء، قال اللغويون: أي: غلب على قلوبهم يقال: الخمر ترين على عقل السكران. قال الزجاج: قرئت بادغام اللام في الراء، لقرب ما بين الحرفين، وإظهار اللام جائز، لأنه من كلمة، والرأس من كلمة أخرى.
ويقال: ران على قلبه الذنب يرين رينا: إذا غشي على قلبه، ويقال: غان يغين غينا، والغين كالغيم الرقيق، والرين كالصدأ يغشى على القلب. وسمعت شيخنا أبا منصور اللغوي يقول: الغين يقال: بالراء، وبالغين، ففي القرآن " كلا بل ران " وفي الحديث: " إنه ليغان على قلبي " وكذلك الراية تقال بالراء، وبالغين، والرميصاء تكتب " بالغين "، وبالراء، لأن الرمص يكتب بهما. قال المفسرون: لما كثرت معاصيهم وذنوبهم أحاطت بقلوبهم. قال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب.
قوله [عز وجل]: (كلا) أي: لا يصدقون. ثم استأنف (إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) قال ابن عباس: إنهم عن النظر إلى ربهم [يومئذ] لمحجوبون، والمؤمن لا يحجب عن رؤيته. وقال مالك بن أنس: لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه.
وقال الشافعي: لما حجب قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضى. وقال الزجاج: وهذه الآية دليل على أن الله عز وجل يرى في القيامة. ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة، ولا خست منزلة الكفار بأنهم يحجبون عن ربهم. ثم بعد حجبهم عن الله يدخلون النار، فذلك قوله [عز وجل]:
(ثم إنهم لصالو الجحيم).