من أخبث الناس كيلا، فأنزل الله تعالى: (ويل للمطففين) فأحسنوا الكيل بعد ذلك. وقال السدي: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وبها رجل يقال له: أبو جهينة، ومعه صاعان، يكيل بأحدهما، ويكتال بالآخر، فأنزل الله هذه الآية. وقد شرحنا معنى " الويل " في البقرة قال ابن قتيبة:
المطفف: الذي لا يوفي الكيل، يقال: إناء طفان: إذا لم يكن مملوءا. وقال الزجاج: إنما قيل:
مطفف، لأنه لا يكاد يسرق في الميزان والمكيال إلا الشئ الطفيف، وإنما أخذ من طف الشئ، وهو جانبه.
قوله [عز وجل]: (الذين إذا اكتالوا على الناس) أي: من الناس. ف " على " بمعنى " من " في قول المفسرين واللغويين. قال الفراء: " على "، و " من " يعتقبان في هذا الموضع، لأنك إذا قلت: اكتلت عليك، فكأنك قلت: أخذت ما عليك، وإذا قلت: اكتلت منك، فهو كقولك:
استوفيت منك. قال الزجاج: المعنى: إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل، وكذلك إذا اتزنوا، ولم يذكر " إذا اتزنوا "، لأن الكيل والوزن بهما الشراء والبيع فيما يكال ويوزن، فأحدهما يدل على الآخر (وإذا كالوهم) أي: كالوا لهم (أو وزنوهم) أي: وزنوا لهم (يخسرون) أي: ينقصون في الكيل، والوزن. فعلى هذا لا يجوز أن يقف على " كالوا "، ومن الناس من يجعل " هم " توكيدا لما كالوا، ويجوز أن يقف على " كالوا " والاختيار الأول. قال الفراء: سمعت أعرابية تقول:
إذا صدر الناس أتينا التاجر، فيكيلنا المد والمدين إلى الموسم المقبل.
قوله [عز وجل]: (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون؟!) قال الزجاج: المعنى: لو ظنوا أنهم يبعثون ما نقصوا في الكيل والوزن (ليوم عظيم) يعني به يوم القيامة (يوم يقوم الناس) اليوم منصوب بقوله [عز وجل]: " مبعوثون ". قال المفسرون: والظن هاهنا بمعنى العلم واليقين. ومعنى يقوم الناس، أي: من قبورهم (لرب العالمين) أي: لأمره، أو لجزائه وحسابه. وقيل يقومون بين يديه