الغيب خاصة بعلم الله ولا يطلع غيبه إلا من ارتضى من رسول وإمام وحسب ما تقتضيه المصلحة.
وعلى كل حال فإن قريشا ومن أجل أن تشتت الناس وتصرفهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت تتهمه ببعض التهم، فتارة تتهمه بأنه كاهن، وتارة تتهمه بأنه مجنون، والعجب أنها لم تقف على تضاد الوصفين، لأن الكهنة أناس أذكياء والمجانين على خلافهم!! ولعل الجمع بين الافترائين في الآية إشارة إلى هذا التناقض في الكلام من قبل القائلين.
ثم يذكر القرآن الاتهام الثالث الذي يخالف الوصفين السابقين أيضا فيقول:
أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون.
فطالما هو شاعر فعلينا أن نصبر، إذ أن لأشعاره رونقها وجاذبيتها، فإذا حل به الموت وانطوت أشعاره كما ينطوي سجل عمره وأودعت في ضمير النسيان فسنكون حينئذ في راحة من أمره!!.
وكما يفهم من كتب اللغة فإن " المنون " مشتق من المن، وهو على معنيين:
النقصان والقطع، وهذان المعنيان أيضا بينهما مفهوم جامع!
ثم استعملت كلمة " المنون " في الموت أيضا، لأنه ينقص العدد ويقطع المدد.
وقد يطلق " المنون " على مرور الزمان، وذلك لأنه يوجب الموت ويقطع العلائق وينقص النفر، كما يطلق " المنون " على الليل والنهار أحيانا، ولعل ذلك للمناسبة ذاتها (1).
وأما كلمة (ريب) فأصلها الشك والتردد والوهم في الشئ الذي تنكشف أستاره بعدئذ فتتضح حقيقته!
وهذا التعبير يستعمل في شأن الموت، فيقال " ريب المنون " لأن وقت