ولو سلم عدم تأيد هذه بتلك عاد إلى لفظ مشترك لا قرينة عليه من الكلام تبين المراد فيتوقف على ما يشرحه من السنة، وقد وردت عدة أخبار من أئمة أهل البيت عليهم السلام في جواز الاخذ بالخيرة من السبحة وغيرها عند الحيرة.
وحقيقته أن الانسان إذا أراد أن يقدم على أمر كان له أن يعرف وجه المصلحة فيه بما أغرز الله فيه من موهبة الفكر أو بالاستشارة ممن له صلاحية المعرفة بالصواب والخطأ، وإن لم يهده ذلك إلى معرفة وجه الصواب، وتردد متحيرا كان له أن يعين ما ينبغي أن يختاره بنوع من التوجه إلى ربه.
وليس في اختيار ما يختاره الانسان بهذا النوع من الاستخارة دعوى علم الغيب ولا تعرض لما يختص بالله سبحانه من شؤون الألوهية، ولا شرك بسبب تشريك غير الله تعالى إياه في تدبير الأمور ولا أي محذور ديني آخر إذ لا شأن لهذا العمل إلا تعين الفعل أو الترك من غير إيجاب ولا تحريم ولا أي حكم تكليفي آخر، ولا كشف عما وراء حجب الغيب من خير أو شر إلا أن خير المستخير في أن يعمل أو يترك فيخرج عن الحيرة والتذبذب.
وأما ما يستقبل الفعل أو الترك من الحوادث فربما كان فيه خير وربما كان فيه شر على حد ما لو فعله أو تركه عن فكر أو استشارة، فهو كالتفكر والاستشارة طريق لقطع الحيرة والتردد في مقام العمل، ويترتب على الفعل الموافق له ما كان يترتب عليه لو فعله عن فكر أو مشورة.
نعم ربما أمكن لمتوهم أن يتوهم التعرض لدعوى علم الغيب فيما ورد من التفؤل بالقرآن ونحوه فربما كانت النفس تتحدث معه بيمن أو شأمة، وتتوقع خيرا أو شرا أو نفعا أو ضرا، لكن قد ورد في الصحيح من طرق الفريقين: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتفاءل بالخير ويأمر به، وينهى عن التطير ويأمر بالمضي معه والتوكل على الله تعالى.
فلا مانع من التفأل بالكتاب ونحوه فإن كان معه ما يتفأل به من الخير وإلا مضى في الامر متوكلا على الله تعالى، وليس في ذلك أزيد مما يطيب به الانسان نفسه في الأمور والأعمال التي يتفرس فيها السعادة والنفع، وسنستوفي البحث المتعلق بهذا المقام في كلام موضوع لهذا الغرض بعينه.