بالتشديد شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع فأنزل الله الآية.
أقول: ويظهر بالرجوع إلى روايات القوم أن هذه الرواية إنما هي تلخيص للروايات المروية في هذا الباب، وهى كثيرة جدا فقد أوردها بالجمع بين شتات مضامينها بإدخال بعضها في بعض، وسبكها رواية واحدة.
وأما نفس هذه الروايات على كثرتها فلم يجتمع أسماء هؤلاء الصحابة في واحدة منها بل ذكر الاجمع منها لفظا هؤلاء الصحابة بلفظ عثمان بن مظعون وأصحابه. وفي بعضها أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفي بعضها رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وكذلك ما وقع في هذه الرواية من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخطبته على تفصيلها متفرقة الجمل في الروايات، وكذلك الذي عقدوا عليه هموا به من التروك لم تصرح الروايات بأنهم اتفقوا جميعهم على جميعها بل صرح بعض الروايات باختلافهم فيما هموا به أو عقدوا عليه كما في صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا أنام على فراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا؟ لكني أصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وآكل اللحم، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس منى.
ولعل المراد بقوله في الرواية: واتفقوا على أن يصوموا النهار (الخ)، ان المجموع اتفقوا على المجموع لا أن كل واحد منهم عزم على الجميع. والروايات وإن كانت مختلفة في مضامينها، وفيها الضعيف والمرسل والمعتبر لكن التأمل في جميعها يوجب الوثوق بأن رهطا من الصحابة عزموا على هذا النوع من التزهد والتنسك، وأنه كان فيهم علي عليه السلام وعثمان بن مظعون، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم: من رغب عن سنتي فليس منى، والله أعلم، فعليك بالرجوع إلى التفاسير الروائية كتفسير الطبري والدر المنثور وفتح القدير وأمثالها.
وفي الدر المنثور: أخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: