في طريق الشهوة والبهيمية زينت للانسان أي شناعة وفجور في نفسه أو ماله أو عرضه وكل ما يحترمه ويقدسه من نواميس الدين وحدود المجتمع وغير ذلك من سرقة أو خيانة أو هتك محرم أو إفشاء سر أو ورود فيما فيه هلاك الانسانية، وقد دل الاحصاء على أن للخمر السهم الأوفر من أنواع الجنايات الحادثة وفي أقسام الفجورات الفظيعة في المجتمعات التي دار فيها شربها.
وأما الميسر وهو القمار فإنه يبطل في أيسر زمان مسعاة الانسان التي صرفها في اقتناء المال والثروة والوجاهة في أزمنة طويلة فيذهب به المال وربما تبعه العرض والنفس والجاه فإن تقمر وغلب وأحرز المال أداه ذلك إلى إبطال السير المعتدل في الحياة والتوسع في الملاهي والفجور، والكسل والتبطؤ عن الاشتغال بالمكسب واقتناء مواد الحياة من طرقها المشروعة، وإن كان هو المغلوب أداه فقدان المال وخيبة السعي إلى العداوة والبغضاء لقميره الغالب، والحسرة والحنق.
وهذه المفاسد وإن كانت لا تظهر للأذهان الساذجة البسيطة ذاك الظهور في النادر القليل والمرة والمرتين لكن النادر يدعو إلى الغالب، والقليل يهدى إلى الكثير والمرة تجر إلى المرات ولا تلبث إن لم تمنع من رأس أن تشيع في الملا، وتسرى إلى المجتمع فتعود بلوى همجية لا حكومة فيها إلا للعواطف الطاغية والأهواء المردية.
فتبين من جميع ما تقدم أن الحصر في قوله: " إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة " راجع إلى مجموع المعدودات من حيث المجموع غير أن الصد عن ذكر الله وعن الصلاة من شأن الجميع، والعداوة والبغضاء يختصان بالخمر والميسر بحسب الطبع.
وفي إفراز الصلاة عن الذكر في قوله تعالى: " ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة، مع كون الصلاة من أفراد الذكر دلالة على مزيد الاهتمام بأمرها لكونها فردا كاملا من الذكر، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه قال: الصلاة عمود الدين، ودلالة القرآن الكريم في آيات كثيرة جدا على الاهتمام بأمر الصلاة بما لا مزيد عليه مما لا يتطرق إليه شك وفيها مثل قوله تعالى: " قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون " (إلى آخر الآيات) " المؤمنون: 2)، وقوله تعالى: " والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين " (الأعراف: 170)، وقوله تعالى: " إن