أن هذه الآية مشتملة على التعليل العقلي الكاشف عن أنه لو كان هناك عبد كان من المسلم عند العقل أن لمولاه أن يتصرف فيه بالعذاب لأنه مولاه المالك له.
والعقل لا يحق الحكم بجواز التعذيب، وتسويغ التصرف الذي يشقه إلا بعد حكمه بإباحة سائر التصرفات غير الشاقة فللمولى أن يتصرف في عبده كيف شاء وبما شاء، وإنما استثنى العقل التصرفات التي يستهجنها بما أنها تصرفات شنيعة مستهجنة لا بما أن العبد عبد.
ولازم ذلك أيضا أن على العبد أن يطيع مولاه فيما كلفه به وأن يتبعه فيما أراد وليس له أن يستقل بشئ من العمل إن لم يرض به مولاه كما يشير إلى ذلك بعض الإشارة قوله تعالى: " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " (الأنبياء: 27) وقوله تعالى: " ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون " (النحل: 75).
واستقصاء البحث في جهات ما يراه القرآن الشريف في مسألة العبودية والرق يتوقف على فصول.
1 - اعتبار العبودية لله سبحانه: في القرآن الكريم آيات كثيرة جدا يعد الناس عبادا لله سبحانه، وتبنى على ذلك أصل الدعوة الدينية: الناس عبيد والله مولاهم الحق.
بل ربما تعدى ذلك واخذ كل من في السماوات والأرض موسوما بسمة العبودية كالحقيقة المسماة بالملك على كثرتها والحقيقة الأخرى التي يسميها القرآن الشريف بالجن قال تعالى:
" إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا " (مريم: 93).
ولا ريب أن اعتبار العبودية لله سبحانه أمر مأخوذ بالتحليل وهو تحليل معنى العبودية إلى أجزائها الأصلية ثم الحكم بثبوت حقيقته بعد طرح خصوصياته الزائدة الطارئة على أصل المعنى في أولى العقل من الخليقة فهناك أفراد من الناس يسمى الواحد منهم عبدا، ولا يسمى به إلا لان نفسه مملوكة لغيره ملكا يسوغ لذلك الغير الذي هو مالكه ومولاه أن يتصرف فيه كيف يشاء وبما أراد، ويسلب عن العبد استقلال الإرادة مطلقا.
والتأمل في هذا المعنى يوجب الحكم بأن الانسان - وإن شئت وسعت وقلت: