فقد تبين أن من أسمائه تعالى ما لا سبيل إليه لاحد من خلقه وهو الذي احتجب تعالى به فافهم ذلك. (كلام في معنى الأدب) نبحث فيه عن الأدب الذي أدب به أنبياءه ورسله عليهم السلام في عدة فصول:
1 - الأدب - على ما يتحصل من معناه - هو الهيئة الحسنة التي ينبغي أن يقع عليه الفعل المشروع إما في الدين أو عند العقلاء في مجتمعهم كآداب الدعاء وآداب ملاقاة الأصدقاء وإن شئت قلت: ظرافة الفعل.
ولا يكون إلا في الأمور المشروعة غير الممنوعة فلا أدب في الظلم والخيانة والكذب ولا أدب في الأعمال الشنيعة والقبيحة، ولا يتحقق أيضا إلا في الأفعال الاختيارية التي لها هيئات مختلفة فوق الواحدة حتى يكون بعضها متلبسا بالأدب دون بعض كأدب الاكل مثلا في الاسلام، وهو أن يبدأ فيه باسم الله ويختم بحمد الله ويؤكل دون الشبع إلى غير ذلك، وأدب الجلوس في الصلاة وهو التورك على طمأنينة ووضع الكفين على الوركين فوق الركبتين والنظر إلى حجره ونحو ذلك.
وإذ كان الأدب هو الهيئة الحسنة في الأفعال الاختيارية والحسن وإن كان بحسب أصل معناه وهو الموافقة لغرض الحياة مما لا يختلف فيه أنظار المجتمعات لكنه بحسب مصاديقه مما يقع فيه أشد الخلاف، وبحسب اختلاف الأقوام والأمم والأديان والمذاهب وحتى المجتمعات الصغيرة المنزلية وغيرها في تشخيص الحسن والقبح يقع الاختلاف بينهم في آداب الافعال.
فربما كان عند قوم من الآداب مالا يعرفه آخرون، وربما كان بعض الآداب المستحسنة عند قوم شنيعة مذمومة عند آخرين كتحية أول اللقاء فإنه في الاسلام بالتسليم تحية من عند الله مباركة طيبة، وعند قوم برفع القلانس، و عند بعض برفع اليد حيال الرأس، وعند آخرين بسجدة أو ركوع أو انحناء بطأطأة الرأس، وكما أن