أيضا لا يعبأ بعض الأمم الهمجية بشهادة النسوان لما لم يعدوا المرأة جزء من المجتمع وعلى ذلك كانت تجرى أغلب السنن الاجتماعية في الأمم القديمة كالروم واليونان وغيرهم.
والاسلام وهو دين الفطرة يعتبر الشهادة ويعطيها وحدها من بين سائر الأسباب الحجية، وأما سائر الأسباب فلا عبرة بها إلا مع إفادة العلم، قال تعالى: " وأقيموا الشهادة لله " (الطلاق: 2) وقال تعالى: " ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " (البقرة: 283) وقال تعالى: " والذين هم بشهاداتهم قائمون " (المعارج: 33).
وقد اعتبر الاسلام في عامة الموارد غير مورد الزنا من العدد في الشهداء اثنين لتأييد أحدهما الاخر قال تعالى: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا ان تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى اجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا " (البقرة: 282)، فأفاد أن ما بينته الآية واعتبرته من أحكام الشهادة - ومنها ضم الواحد إلى آخر ليكونا اثنين - أكثر مطابقة للقسط وقيام الشهادة ورفع الريب.
ثم لما كان الاسلام في تشخيصه فرد المجتمع وبعبارة أخرى في اعتباره الواحد الذي يتكون منه المجتمع الانساني يعد المرأة جزء مشمولا للحكم أشركها مع الرجل في إعطاء حق إقامة الشهادات إلا أنه لما اعتبر في المجتمع الذي كونه أن يكون مبنيا على التعقل دون العواطف والمرأة إنسان عاطفي أعطاها من الحق والوزن نصف ما للرجل، فشهادة امرأتين اثنتين تعدل شهادة رجل واحد كما يشير إليه قوله تعالى في الآية السابقة:
" أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى "، وقد مر في الجزء الرابع من هذا الكتاب من الكلام في حقوق المرأة في الاسلام ما ينفع في المقام، وللشهادة أحكام كثيرة فرعية مبسوطة في الفقه خارجة من غرضنا في هذا البحث.
(كلام في العدالة) كثيرا ما يعثر الباحث في الاحكام الاسلامية في خلال أبحاثه بلفظ العدالة وربما وجد للفظ تعريفات مختلفة وتفسيرات متنوعة حسب اختلاف الباحثين ومسالكهم.