(كلام في معنى الشهادة) الاجتماع المدني الدائر بيننا والتفاعل الواقع في عامة جهات الحياة الأرضية بين قوانا الفعالة يسوقنا - ولا محيص - إلى أنواع الاختلافات والخصومات فالذي يختص بالتمتع به أحدنا ربما أحب الاخر أن يشاركه فيه أو يختص به هو مكانه فتاقت إليه نفسه ونازعته في ذلك فأدى إلى تنبه الانسان لوجوب اعتبار القضاء والحكم ليرتفع به هذه الخصومات.
وأول ما يحتاج إليه القضاء أن تحفظ القضايا والوقائع على النحو الذي وقعت وتضبط ضبطا لا يتطرق إليه التغير والتبدل ليقع عليه قضاء القاضي، هذا ممالا شك فيه.
ويتأتى ذلك بأن يستشهد على الواقعة بأن يطلع عليها إنسان فيتحملها ثم يؤدى ما تحمله عند اللزوم والاقتضاء أو يضبط بوجه آخر كالكتابة أو أدوات اخر معمولة لذلك اهتدى الانسان إلى التوصل بها.
وتفارق الشهادة سائر أسباب الحفظ والضبط أولا بأن غير الشهادة من الأسباب أمور غير عامة فإن أعمها وأعرفها الكتابة وهى لم تستوعب الانسانية حتى اليوم فكيف بغيرها وهذا بخلاف الشهادة والتحمل.
وثانيا بأن الشهادة وهو البيان اللساني من نفس الشاهد عن تحمله وحفظه أبعد من عروض الخلل وأمنع جانبا من طرو أنواع الآفات بالقياس إلى الكتابة وغيره من أسباب الحفظ والضبط.
ولذلك نرى أن الشهادة لا تتجافى عن اعتبارها أمة من الأمم في مجتمعاتهم على اختلافها الفاحش في السنن الاجتماعية والسلائق القومية والملية والتقدم والتأخر في الحضارة والتوحش، فهى لا تخلو عن اعتبار ما عندهم.
والاعتبار فيها بالواحد من القوم المعدود فردا من الأمة وجزء من الجماعة، ولذلك لا يعبأ بشهادة الصبى غير المميز ولا بشهادة المجنون الذي لا يدرى ما يقول مثلا، ولذلك