7 - رعايتهم الأدب عن ربهم فيما حاوروا قومهم، وهذا أيضا باب واسع وهو ملحق بالأدب في الثناء على الله سبحانه، وهو من جهة أخرى من أبواب التبليغ العملي الذي لا يقصر أو يزيد أثرا على التبليغ القولي.
وفى القرآن من ذلك شئ كثير قال تعالى في محاورة جرت بين نوح وقومه:
" قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين، ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم واليه ترجعون " (هود: 34) ينفى عليه السلام عن نفسه ما نسبوا إليه من إتيان الآية ليعجزوه به، وينسبه إلى ربه ويبالغ في الأدب بقوله: " إن شاء " ثم بقوله " وما أنتم بمعجزين " أي لله، ولذلك نسبه إليه تعالى بلفظ " الله " دون لفظ " ربى " لان الله هو الذي ينتهى إليه كل جمال وجلال، ولم يكتف بنفي القدرة على إتيان الآية عن نفسه وإثباته حتى ثناه بنفي نفع نصحه لهم إن لم يرد الله أن ينتفعوا به فأكمل بذلك نفى القدرة عن نفسه وإثباته لربه، وعلل ذلك بقوله: " هو ربكم واليه ترجعون ".
فهذه محاورة غاصة بالأدب الجميل في جنب الله سبحانه حاور بها نوح عليه السلام الطغاة من قومه محاجا لهم، وهو أول نبي من الأنبياء عليهم السلام فتح باب الاحتجاج في الدعوة إلى التوحيد، وانتهض على الوثنية على ما يذكره القرآن الشريف.
وهذا أوسع هذه الأبواب مسرحا لنظر الباحث في أدب الأنبياء عليهم السلام يعثر على لطائف من سيرتهم المملوءة أدبا وكمالا فإن جميع أقوالهم أفعالهم وحركاتهم وسكناتهم مبنية على أساس المراقبة والحضور العبودي، وإن كانت صورتها صورة عمل من غاب عن ربه وغاب عنه ربه سبحانه قال تعالى: " ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون " (الأنبياء: 20).
وقد حكى الله تعالى في كلامه محاورات كثيرة عن هود وصالح وإبراهيم وموسى وشعيب ويوسف وسليمان وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام في حالات لهم مختلفة كالشدة والرخاء والحرب والسلم والاعلان والاسرار والتبشير والانذار وغير ذلك.