إن كنتم كاذبين - أي في إنكاركم سرقة صواع الملك - قالوا من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزى الظالمين - أي نجزى السارق باسترقاقه - فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف - إلى أن قال - قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين - وهذا هو التبديل ونوع من الفدية - قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون " (يوسف: 79).
وربما كان يؤخذ القاتل أسيرا مملوكا، وربما كان يفدى بواحدة من نسائه وحرمه كبنته وأخته إلى غير ذلك، وسنة الفدية بالتزويج كانت مرسومة إلى هذه الأيام بين القبائل والعشائر في نواحينا لان الازدواج يعد عندهم نوعا من الاسترقاق والاسارة للنساء.
ومن هنا ما ربما يعد المطيع عبدا للمطاع لأنه بإطاعته يتبع إرادته إرادة المطاع فهو مملوكه المحروم من حرية الإرادة قال تعالى: " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، وأن أعبدوني " (يس: 61) وقال: " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه " (الجاثية: 23).
وبالعكس من تملك المجتمع أو ولى الامر المجرم المعاقب يملك المطيع المثاب من المجتمع أو ولى الامر ما يوازن طاعته من الثواب فإن المجتمع أو الولي نقص من المكلف المطيع بواسطة التكليف شيئا من حريته الموهوبة فعلية أن يتممه كما نقص.
وهذا الذي ذكرناه هو السر في ما اشتهر: أن الوفاء بالوعد واجب دون الوعيد، وذلك أن مضمون الوعد في ظرف المولوية والعبودية هو الثواب على الطاعة كما أن مضمون الوعيد هو العقاب على المعصية، والثواب لما كان من حق المطيع على ولى الامر وفى ذمته وجب عليه تأديته وتفريغ ذمته منه بخلاف العقاب فإنه من حق ولى الامر على المكلف المجرم، وليس من الواجب أن يتصرف الانسان في ملكه ويستفيد من حقه إن كان له ذلك، وللكلام تتمة.
3 - العفو والمغفرة؟: استنتجنا من البحث السابق جواز ترك المجازاة على المعصية بخلاف الطاعة، وهو حكم فطرى في الجملة مبنى على أن العقاب حق للمعصى على العاصي، وليس من الواجب إعمال الحق دائما.