الفكري فيما كان له ذلك بمقتضى الآيات الشريفة، ولو أنه تمثل لواحد من البشر فعمل شيئا أو علمه إياه لم يزد ذلك على التمثل والتصرف في فكره أو مساسه علما فانتظر ما سيوافيك من البحث.
وأما قوله تعالى: " فاجتنبوه لعلكم تفلحون " فتصريح بالنهي بعد بيان المفسدة ليكون أوقع في النفوس ثم ترج للفلاح على تقدير الاجتناب، وفيه أشد التأكيد للنهي لتثبيته ان لا رجاء لفلاح من لا يجتنب هذه الارجاس.
قوله تعالى: " إنما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر إلى آخر الآية " قال الراغب في المفردات: العدو التجاوز ومنافاة الالتئام فتارة يعتبر بالقلب فيقال له: العداوة والمعاداة، وتارة بالمشي فيقال له: العدو، وتارة في الاخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له: العدوان والعدو قال: " فيسبوا الله عدوا بغير علم " وتارة بأجزاء المقر فيقال له: العدواء يقال: مكان ذو عدواء أي غير متلائم الاجزاء فمن المعاداة يقال: رجل عدو وقوم عدو قال: " بعضكم لبعض عدو " وقد يجمع على عدى (بالكسر فالفتح) وأعداء قال: " ويوم يحشر أعداء الله "، انتهى.
والبغض والبغضاء خلاف الحب، والصد الصرف، والانتهاء قبول النهى وخلاف الابتداء.
ثم إن الآية - كما تقدم - مسوقة بيانا لقوله: " من عمل الشيطان " أو لقوله:
" رجس من عمل الشيطان " أي إن حقيقة كون هذه الأمور من عمل الشيطان أو رجسا من عمل الشيطان ان الشيطان لا بغية له ولا غاية في الخمر والميسر - اللذين قيل: إنهما رجسان من عمله فقط - إلا ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء بتجاوز حدودكم وبغض بعضكم بعضا، وان يصرفكم عن ذكر الله وعن الصلاة في هذه الأمور جميعا أعني الخمر والميسر والأنصاب والأزلام.
وقصر إيقاع العداوة والبغضاء في الخمر والميسر لكونهما من آثارهما الظاهرة، اما الخمر فلان شربها تهيج سلسلة الأعصاب تهيجا يخمر العقل ويستظهر العواصف العصبية، فإن وقعت في طريق الغضب جوزت للسكران أي جناية فرضت وإن عظمت ما عظمت، وفظعت ما فظعت مما لا يستبيحه حتى السباع الضارية، وإن وقعت