في آداب ملاقاة النساء عند الغربيين أمورا يستشنعها الاسلام ويذمها، إلى غير ذلك.
غير أن هذه الاختلافات جميعا إنما نشأت في مرحلة تشخيص المصداق وأما أصل معنى الأدب، وهو الهيئة الحسنة التي ينبغي أن يكون عليها الفعل فهو مما أطبق عليه العقلاء من الانسان وأطبقوا أيضا على تحسينه فلا يختلف فيه اثنان.
2 - لما كان الحسن من مقومات معنى الأدب على ما ذكر في الفصل السابق، وكان مختلفا بحسب المقاصد الخاصة في المجتمعات المختلفة أنتج ذلك ضرورة اختلاف الآداب الاجتماعية الانسانية فالأدب في كل مجتمع كالمرآة يحاكي خصوصيات أخلاق ذلك المجتمع العامة التي رتبها فيهم مقاصدهم في الحياة، وركزتها في نفوسهم عوامل اجتماعهم وعوامل مختلفة أخر طبيعية أو اتفاقية.
وليست الآداب هي الأخلاق لما أن الأخلاق هي الملكات الراسخة الروحية إلى تتلبس بها النفوس، ولكن الآداب هيئات حسنة مختلفة تتلبس بها الأعمال الصادرة عن الانسان عن صفات مختلفة نفسية، وبين الامرين بون بعيد.
فالآداب من منشئات الأخلاق والأخلاق من مقتضيات الاجتماع بخصوصه بحسب غايته الخاصة فالغاية المطلوبة للانسان في حياته هي التي تشخص أدبه في أعماله، وترسم لنفسه خطا لا يتعداه إذا أتى بعمل في مسير حياته والتقرب من غايته.
3 - وإذ كان الأدب يتبع في خصوصيته الغاية المطلوبة في الحياة فالأدب الإلهي الذي أدب الله سبحانه به أنبياءه ورسله عليهم السلام هو الهيئة الحسنة في الأعمال الدينية التي تحاكي غرض الدين وغايته، وهو العبودية على اختلاف الأديان الحقة بحسب كثرة موادها وقلتها وبحسب مراتبها في الكمال والرقى.
والاسلام لما كان من شأنه التعرض لجميع جهات الحياة الانسانية بحيث لا يشذ عنه شئ من شؤونها يسير أو خطير دقيق أو جليل فلذلك وسع الحياة أدبا، ورسم في كل عمل هيئة حسنة تحاكي غايته.
وليس له غاية عامة إلا توحيد الله سبحانه في مرحلتي الاعتقاد والعمل جميعا أي (6 - الميزان - 17)