فالكلام من غير جهة الدلالة اللفظية الوضعية حامل لطبيعة نفس المتكلم من إيمان أو كفر أو غير ذلك، وواضعها وموصلها إلى نفس المتعلم البسيطة الساذجة فلا يميز جهة صلاحه - وهو جهة دلالته الوضعية - من جهة فساده - وهو سائر جهاته - إلا من كان على بصيرة من الامر، قال تعالى في وصف المنافقين لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: " ولتعرفنهم في لحن القول " (سورة محمد: 30) فالتربية المستعقبة للأثر الصالح هو ما كان المعلم المربى فيها ذا إيمان بما يلقيه إلى تلامذته مشفوعا بالعمل الصالح الموافق لعلمه، وأما غير المؤمن بما يقوله أو غير العامل على طبق علمه فلا يرجى منه خير.
ولهذه الحقيقة مصاديق كثيرة وأمثلة غير محصاة في سلوكنا معاشر الشرقيين والاسلاميين خاصة في التعليم والتربية في معاهدنا الرسمية وغير الرسمية فلا يكاد تدبير ينفع ولا سعى ينجح.
وإلى هذا الباب يرجع ما نرى أن كلامه تعالى يشتمل على حكاية فصول من الأدب الإلهي المتجلى من أعمال الأنبياء والرسل عليهم السلام مما يرجع إلى الله سبحانه من أقسام عباداتهم وأدعيتهم وأسئلتهم أو يرجع إلى الناس في معاشراتهم ومخاطباتهم فإن إيراد الأمثلة في التعليم نوع من التعليم العملي بإشهاد العمل.
قال الله تعالى بعد ذكر قصة إبراهيم في التوحيد مع قومه: " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم، ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزى المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين، وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين، ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم، ذلك هدى الله يهدى به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون، أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين، أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " (الانعام: 90)، يذكر تعالى أنبيائه الكرام عليهم السلام ذكرا جامعا ثم يذكر أنه أكرمهم بالهداية الإلهية وهى الهداية إلى التوحيد فحسب والدليل عليه قوله: " ولو أشركوا لحبط عنهم "، فلم يذكر منافيا لما حباهم به من الهداية إلا الشرك فلم يهدهم إلا إلى التوحيد.