قضاء لحق المقابلة.
وثالثا: أن إضافة الطيبات إلى ما أحل الله في قوله: " طيبات ما أحل الله لكم " إضافة بيانية.
ورابعا: أن المراد بالاعتداء في قوله: " ولا تعتدوا " هو الاعتداء على الله سبحانه في سلطانه التشريعي، أو التعدي عن حدود الله بالانخلاع عن طاعته والتسليم له وتحريم ما أحله كما قال تعالى في ذيل آية الطلاق: " تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون " (البقرة: 229)، وقوله في ذيل آيات الإرث: " تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم، ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين " (النساء: 14)، والآيات - كما ترى - تعد الاستقامة والالتزام بما شرعه الله طاعة له تعالى ولرسوله ممدوحة، والخروج عن التسليم والالتزام والانقياد اعتداء وتعديا لحدود الله مذموما معاقبا عليه.
فمحصل مفاد الآية النهى عن تحريم ما أحله الله بالاجتناب عنه والامتناع من الاقتراب منه فإنه يناقض الايمان بالله وآياته ويخالف كون هذه المحللات طيبات لا خباثة فيها حتى يجتنب عنها لاجلها، وهو اعتداء والله لا يحب المعتدين.
قوله تعالى: " ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " قد عرفت أن ظاهر السياق أن المراد بالاعتداء هو التحريم المذكور في الجملة السابقة عليه فقوله: " ولا تعتدوا " يجرى مجرى التأكيد لقوله: " لا تحرموا، الخ ".
وأما ما ذكره بعضهم: أن المراد بالاعتداء تجاوز حد الاعتدال في المحللات بالانكباب على التمتع بها والاستلذاذ منها قبال تركها واجتناب تناولها تقشفا وترهبا فيكون معنى الآية: لا تحرموا على أنفسكم ما أحل الله لكم من الطيبات المستلذة بأن تتعمدوا ترك التمتع بها تنسكا وتقربا إليه تعالى، ولا تعتدوا بتجاوز حد الاعتدال إلى الاسراف والافراط الضار بأبدانكم أو نفوسكم.
أو أن المراد بالاعتداء تجاوز المحللات الطيبة إلى الخبائث المحرمة، ويعود المعنى إلى أن لا تجتنبوا المحللات ولا تقترفوا المحرمات، وبعبارة أخرى: لا تحرموا ما أحل