وقف على واحد منها لا محيص عن اعتباره بحكم الفطرة القاطع، وهو جواز استعباد كل إنسان محارب للدين مضاد للمجتمع الانساني غير خاضع للحق بوجه من وجوه الخضوع.
الثاني: أنه استعمل جميع الوسائل الممكنة في إكرامهم - العبيد والإماء وتقريب شؤونهم الحيوية من حياة أجزاء المجتمع الحرة حتى صاروا كأحدهم وإن لم يصيروا أحدهم، ولم يبق عليهم إلا حجاب واحد رقيق، وهو أن الزائد من أعمالهم على واجب حياتهم حياة متوسطة لمواليهم لا لهم، وإن شئت فقل: لا فاصل في الحقيقة بين الحر والعبد في الاسلام إلا إذن المولى في العبد.
الثالث: أنه احتال بكل حيلة مؤثرة إلى الحاق صنف المماليك إلى مجتمع الأحرار بالترغيب والتحريص في موارد، وبالفرض والايجاب في أخرى كالكفارات، وبالتسويغ والانفاذ في مثل الاشتراط والتدبير والكتابة.
8 - سير الاستعباد في التاريخ، ذكروا (1) أن الاستعباد ظهر أول ما ظهر بالسبي والأسر، وكانت القبائل قبل ذلك إذا غلبت في حروبها ومقاتلها وأخذت سبايا قتلتهم عن آخرهم ثم رأوا أن يتركوهم أحياء ويتملكوهم كسائر الغنائم الحربية لا لينتفعوا بأعمالهم بل إحسانا في حقهم وحفظا للنوع واحتراما للقوانين الأخلاقية التي ظهرت فيهم بالترقي في صراط المدنية شيئا بعد شئ.
وإنما ظهرت هذه السنة بين القبائل بعد ما ارتحلت عنهم طريقة الارتزاق لاصطياد إذ لم تكن لهم فيها من السعة ما يسوغ لهم الانفاق على العبيد والإماء حتى انتقلوا إلى عيشة النزول والارتحال وتمكنوا من ذلك.
وبشيوع الاستعباد بين القبائل والأمم على أي وتيرة كانت تحولت حياة الانسان الاجتماعية بظهور جهات من الانتظام والانضباط في المجتمعات أولا وتقسيم الأعمال ثانيا.
ولم يكن الاستعباد إذ كان دائرا في الدنيا على وتيرة واحدة في أقطار المعمورة فلم يستن في بعض المناطق أصلا كاوستراليا وآسيا المركزية وسيبريا وأميركا الشمالية