إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون " (الدخان: 39) والآية قريبة المضمون من الآية السابقة.
ثم شرح تعالى كيفية تأدية هذه التربية الصورية إلى مقاصدها المعنوية في مثل عام ضربه للناس فقال: " أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " (الرعد: 17).
فظهر من بيانه تعالى أن بين العمل والجزاء رابطة حقيقية وراء الرابطة الوضعية الاعتبارية التي بينهما عند أهل الاجتماع ويجرى عليها ظاهر تعليمه تعالى.
7 - والعمل يؤدى الرابطة إلى النفس: ثم بين تعالى أن العمل يؤدى هذه الرابطة إلى النفس من جهة الهيئة النفسانية التي تحصل لها من العمل والحالة التي تؤديها إليها فقال تعالى: " ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم " (البقرة: 225)، وقال:
" وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " (البقرة: 284) وفى هذا المعنى آيات أخر كثيرة.
ويتبين بها أن جميع الآثار المترتبة على الأعمال من ثواب أو عقاب إنما تترتب بالحقيقة على ما تكسبه النفوس من طريق الأعمال، وأن ليس للأعمال إلا الوساطة.
ثم بين تعالى أن الذي سيواجههم من الجزاء على الأعمال إنما هو نفس الأعمال بحسب الحقيقة لا كما يضع الانسان في مجتمعه عملا ثم يردفه بجزاء بل العمل محفوظ عند الله سبحانه بانحفاظ النفس العاملة ثم يظهره الله عليها يوم تبلى السرائر قال الله تعالى:
" يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا " (آل عمران: 30) وقال تعالى: " لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون " (التحريم: 7) ودلالة الآيات ظاهرة، وتلحق بها في ذلك آيات أخر كثيرة.
ومن أحسنها دلالة قوله تعالى: " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " (ق: 22) فإن هذا إشارة إلى مقام الجزاء الحاضر، وقد عده غافلا عنه في الدنيا بقرينة قوله: " اليوم " ولا معنى للغفلة إلا عن أمر موجود، ثم