يضيف إليها الميسر والانصاب والأزلام.
وقد تقدم في قوله تعالى: " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " (البقرة: 219)، في الجزء الأول، وفي قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " (النساء: 43) في الجزء الرابع من هذا الكتاب أن هاتين الآيتين مع قوله تعالى: " قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم " (الأعراف: 33)، وهذه الآية المبحوث عنها: " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه - إلى قوله - فهل أنتم منتهون " إذا انضم بعضها إلى بعض دلت سياقاتها المختلفة على تدرج الشارع في تحريم الخمر.
لكن لا بمعنى السلوك التدريجي في تحريمها من تنزيه وإعافة إلى كراهية إلى تحريم صريح حتى ينتج معنى النسخ، أو من إبهام في البيان إلى ايضاح أو كناية خفية إلى تصريح لمصلحة السياسة الدينية في إجراء الأحكام الشرعية فإن قوله تعالى: " والاثم " آية مكية في سورة الأعراف إذا انضم إلى قوله تعالى: " قل فيهما إثم كبير " وهى آية مدنية واقعة في سورة البقرة أول سورة مفصلة نزلت بعد الهجرة أنتج ذلك حرمة الخمر إنتاجا صريحا لا يدع عذرا لمعتذر، ولا مجالا لمتأول.
بل بمعنى أن الآيات تدرجت في النهى عنها بالتحريم على وجه عام وذلك قوله تعالى: " والاثم " ثم بالتحريم الخاص في صورة النصيحة وذلك قوله: " قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما "، وقوله: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " إن كانت الآية ناظرة إلى سكر الخمر لا إلى سكر النوم، ثم بالتحريم الخاص بالتشديد البالغ الذي يدل عليه قوله: " إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس - إلى قوله - فهل أنتم منتهون " الآيتان.
فهذه الآيات آخر ما نزل في تحريم الخمر يدل على ذلك أقسام التأكيد المودعة فيها من " إنما " والتسمية بالرجس، ونسبته إلى عمل الشيطان، والامر الصريح بالاجتناب، وتوقع الفلاح فيه، وبيان المفاسد التي تترتب على شربها، والاستفهام عن الانتهاء، ثم الامر بطاعة الله و رسوله والتحذير عن المخالفة، والاستغناء عنهم لو خالفوا.