ولغى الاستعباد في أميركا سنة 1862 بعد مجاهدات شديدة تحملتها أهالي أميركا وقد كان شمال هذه المملكة وجنوبها مختلفين في أخذ الرقيق: أما أميركا الشمالية فإنما كانت تأخذ العبيد والإماء للتجمل فحسب، وأما الجنوبية فكان معظم الاشغال فيها شغل الزراعة والحرث، وكانوا في حاجة شديدة إلى كثرة الأيدي العمالة فكانوا يأخذون الأرقاء استثمارا بأعمالهم، ولذلك كانوا يتحرجون من قبول التحرير العام.
ولم يزل الاستعباد يلغى في مملكة بعد مملكة حتى انعقد قرار بروسل سنة (1890) الميلادية على إلغاء سنة الاستعباد، وأمضاها الدول وأجريت في الممالك، ولغت العبودية في الدنيا، وانعتقت بذلك الملايين من النسمات، انتهى ما ذكروه ملخصا.
وأنت تجد بثاقب نظرك أن هذه المجاهدة الطويلة والمشاجرة ثم ما وضع من قوانين الالغاء وانفذ من الحكم كل ذلك إنما كان يدور حول الاسترقاق من طريق الولاية أو التغلب كما يشهد به أن جل الأرقاء أو كلهم كانوا يجلبون من نواحي أفريقيا المعمول فيها ذلك، وأما الاسترقاق من طريق السبى الحربي الذي أنفذ الاسلام فلم يكن موردا للبحث قط.
8 - نظرة في بنائهم: هذه الحرية الفطرية التي نسميها بالحرية الموهوبة للانسان (ولسنا ندري ما هو السبب الذي يسلبها عن سائر أنواع الحيوان وهى تماثل الانسان في الشعور النفساني والإرادة الباعثة؟ غير أن نقول إن الانسان هو الذي يسلبها ذلك لينتفع بها) لا تتفرع على أصل إلا على أن الانسان مجهز بشعور باطني يميز له ما يلتذ به وما يتألم به ثم بإرادة تبعثه إلى جذب ما يلذه ودفع ما يؤلمه فكان له أن يختار لنفسه ما يشاء.
ولم يتقيد الشعور الانساني بأن يتعلق بشئ ولا يتعلق بآخر كأن لا يشعر الانسان الضعيف المستذل بما يشعر به الانسان القوى المتعزز، ولا تحددت الإرادة الانسانية بحد يمنعها عن التعلق ببعض ما يستحبه أو يجبرها على التعلق بما تعلقت به إرادة غيره لتنطلق لنفع غيره وتنسى نفسها، فالانسان الضعيف المغلوب يريد لنفسه نظائر جميع ما يريده الانسان الذي غلبه وقهره لنفسه، ولا رابطة طبيعية بين إرادة الضعيف وإرادة القوى تجبر إرادة الضعيف على أن لا تتعلق بما تعلقت به إرادة القوى، أو تفنى في إرادة القوى فتعود الإرادتان إرادة واحدة تجرى لنفع القوى، أو تتبع الإرادة اتباعا يسلبها الاستقلال.