فتبين أن ما وقع في بعض التفاسير من حمل الأزلام على سهم التفأل واستنتاج حرمة الاستخارة بذلك مما لا ينبغي المصير إليه.
وأما قوله: " رجس من عمل الشيطان " فالرجس الشئ القذر على ما ذكره الراغب في مفرداته فالرجاسة بالفتح كالنجاسة والقذارة هو الوصف الذي يبتعد ويتنزه عن الشئ بسببه لتنفر الطبع عنه.
وكون هذه المعدودات من الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسا هو اشتمالها على وصف لا تستبيح الفطرة الانسانية الاقتراب منها لأجله، وليس إلا أنها بحيث لا تشتمل على شئ مما فيه سعادة إنسانية أصلا سعادة يمكن أن تصفو وتتخلص في حين من الأحيان كما ربما أوما إليه قوله تعالى: " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " (البقرة: 219)، حيث غلب الاثم على النفع ولم يستثن.
ولعله لذلك نسب هذه الارجاس إلى عمل الشيطان ولم يشرك له أحدا، ثم قال في الآية التالية: " إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ".
وذلك أن الله سبحانه عرف الشيطان في كلامه بأنه عدو للانسان لا يريد به خيرا البتة قال تعالى: " إن الشيطان للانسان عدو مبين " (يوسف: 5)، وقال:
كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله " (الحج: 4)، وقال: " وإن يدعون إلا شيطانا مريدا، لعنه الله " (النساء: 118)، فأثبت عليه لعنته وطرده عن كل خير.
وذكر أن مساسه بالانسان وعمله فيه إنما هو بالتسويل والوسوسة والاغواء من جهة الالقاء في القلب كما قال تعالى حكاية عنه: " قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط على مستقيم، إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين " (الحجر: 42)، فهددهم إبليس بالاغواء فقط، ونفى الله سبحانه سلطانه إلا عن متبعيه الغاوين، وحكى عنه فيما يخاطب بني آدم يوم القيامة قوله: " وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي " (إبراهيم: 22)، وقال في نعت دعوته: " يا بني آدم لا يفتننكم