دخالة الوصف في الحكم الذي هو نفى الجناح كقوله تعالى: في خطاب المؤمنين: " ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر " (البقرة: 232)، وهو شائع في اللسان.
وظاهر قوله: " ثم اتقوا وآمنوا " اعتبار الايمان بعد الايمان، وليس إلا الايمان التفصيلي بكل حكم حكم مما جاء به الرسول من عند ربه من غير رد وامتناع، ولازمه التسليم للرسول فيما يأمر به وينهى عنه قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله " (الحديد: 28)، وقال تعالى: " وما أرسلنا من رسول الا ليطاع بإذن الله - إلى أن قال - فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " (النساء: 65)، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وظاهر قوله: " ثم اتقوا وأحسنوا " إضافة الاحسان إلى الايمان بعد الايمان اعتبارا، والاحسان هو إتيان العمل على وجه حسنه من غير نية فاسدة كما قال تعالى:
" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا " (الكهف: 30)، وقال: " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم " (آل عمران: 172)، أي يكون استجابتهم ابتغاء لوجه الله وتسليما لامره لا لغرض آخر، ومن الاحسان ما يتعدى إلى الغير، وهو ان يوصل إلى الغير ما يستحسنه، قال تعالى: " وبالوالدين إحسانا " (البقرة: 83)، وقال:
" وأحسن كما أحسن الله إليك " (القصص: 77).
والمناسب لمورد الآية هو المعنى الأول من معنيى الاحسان، وهو إتيان الفعل على جهة حسنه فإن التقوى الديني لا يوفى حقه بمجرد الايمان بالله وتصديق حقية دينه ما لم يؤمن تفصيلا بكل واحد واحد من الاحكام المشرعة في الدين فإن رد الواحد منها رد لأصل الدين، ولا أن الايمان التفصيلي بكل واحد واحد يوفى به حق التقوى ما لم يحسن بالعمل بها و في العمل بها بأن يجرى على ما يقتضيه الحكم من فعل أو ترك، ويكون هذا الجرى ناشئا من الانقياد والاتباع لا عن نية نفاقية فمن الواجب على المتزود بزاد التقوى أن يؤمن بالله ويعمل صالحا، وان يؤمن برسوله في جميع ما جاء به، وان يجرى في جميع ذلك على نهج الاتباع والاحسان.
وأما تكرار التقوى ثلاث مرات، وتقييد المراتب الثلاث جميعا به فهو لتأكيد