مسوقة لرفع الحظر عن هذا الطعام المطلق، وقد قيد رفع الحظر بقوله: " إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا " والمتيقن من معنى هذا القيد - وقد ذكر فيه التقوى ثلاث مرات - هو التقوى الشديد الذي هو حق التقوى.
فنفى الجناح للمؤمنين المتقين عن مطلق ما طعموا (الطعام المحلل) إن كان لغرض إثبات المفهوم في غيرهم أي إثبات مطلق المنع لغير أهل التقوى من سائر المؤمنين والكفار ناقضه أمثال قوله تعالى: " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة " (الأعراف: 32)، على أن من المعلوم من مذاق هذا الدين أنه لا يمنع أحدا عن الطيبات المحللة التي تضطر الفطرة إلى استباحتها في الحياة.
وإن لم تكن الآية مسوقة لتحريمه على غير من ذكر عاد المعنى إلى مثل قولنا:
يجوز الطعام للذين آمنوا وعملوا الصالحات بشرط أن يتقوا ثم يتقوا، ثم يتقوا، ومن المعلوم أن الجواز لا يختص بالذين آمنوا وعملوا الصالحات بل يعمهم وغيرهم، وعلى تقدير اختصاصه بهم لا يشترط فيه هذا الشرط الشديد.
ولا يخلو عن أحد هذين الاشكالين جميع ما ذكروه في توجيه الآية بناء على حمل قوله: " فيما طعموا " على مطلق الطعام المحلل فإن المعنى الذي ذكروه لا يخرج عن حدود قولنا: لا جناح على الذين آمنوا وعملوا الصالحات إذا اتقوا المحرمات أن يطعموا المحللات، ولا يسلم هذا المعنى عن أحد الاشكالين كما هو واضح.
وذكر بعضهم: أن في الآية حذفا، والتقدير: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا وغيره إذا ما اتقوا المحارم، وفيه أنه تقدير من غير دليل مع بقاء المحذور على حاله.
وذكر بعضهم: أن الايمان والعمل الصالح جميعا ليس بشرط حقيقي بل المراد بيان وجوب اتقاء المحارم فشرك معه الايمان والعمل الصالح للدلالة على وجوبه، وفيه أن ظاهر الآية أنها مسوقة لنفى الجناح فيما طعموا، ولا شرط له من إيمان أو عمل صالح أو اتقاء محارم على ما تقدم، وما أبعد المعنى الذي ذكره عن ظاهر الآية.
وذكر بعضهم: أن المؤمن يصح أن يطلق عليه أنه لا جناح عليه، والكافر