قوله تعالى: " فكفارته إطعام عشرة مساكين - إلى قوله - أو تحرير رقبة "، الكفارة هي العمل الذي يستر به مساءة المعصية بوجه، من الكفر بمعنى الستر قال تعالى: " نكفر عنكم سيئاتكم " (النساء: 31)، قال الراغب: والكفارة ما يغطى الاثم ومنه كفارة اليمين، انتهى.
وقوله: " فكفارته " تفريع على اليمين باعتبار مقدر هو نحو من قولنا: فان حنثتم فكفارته كذا، وذلك لان في لفظ الكفارة دلالة على معصية تتعلق به الكفارة، وليست هذه المعصية هي نفس اليمين، ولو كان كذلك لم يورد في ذيل الآية قوله: " واحفظوا ايمانكم " إذ لا معنى لحفظ ما فيه معصية فالكفارة إنما تتعلق بحنث اليمين لا بنفسها.
ومنه يظهر أن المؤاخذة المذكورة في قوله: " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان " هي المؤاخذة على حنث اليمين لا على نفس إيقاعها، وإنما أضيفت إلى اليمين لتعلق متعلقها - أعني الحنث - بها، فقوله: " فكفارته " متفرع على الحنث المقدر لدلالة قوله: " يؤاخذكم، الخ " عليه، ونظير هذا البيان جار في قوله: " ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم " وتقديره: إذا حلفتم وحنثتم.
وقوله: " إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة " خصال ثلاث يدل الترديد على تعيين إحداها عند الحنث من غير جمع، ويدل قوله بعده: " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام " على كون الخصال المذكورة تخييرية من غير لزوم مراعاة الترتيب الواقع بينها في الذكر، وإلا لغى التفريغ في قوله: " فمن لم يجد " (الخ)، وكان المتعين بحسب اقتضاء السياق أن يقال: أو صيام ثلاثة أيام.
وفي الآية أبحاث فرعية كثيرة مرجعها علم الفقه.
قوله تعالى: " ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم " تقدم أن الكلام في تقدير: إذا حلفتم وحنثتم، وفي قوله: " ذلك كفارة أيمانكم " وكذا في قوله: " كذلك يبين الله لكم " نوع التفات ورجوع من خطاب المؤمنين إلى خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولعل النكتة فيه أن الجملتين جميعا من البيان الإلهي للناس إنما هو بوساطة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان في ذلك حفظا لمقامه صلى الله عليه وآله وسلم في بيان ما أوحى إليه للناس كما قال تعالى: " وأنزلنا إليك الذكر