هو أن العاقل إنما يخضع لمن سواه ويعبده، ويتوجه إليه بحوائجه، إما لكمال في ذلك المعبود المستعان - والناقص مجبول على الخضوع للكامل - وإما لاحسانه وإنعامه عليه، وإما لاحتياج الناقص في جلب منفعة أو دفع مضرة، وإما لقهر الكامل وسلطانه فيخضع له خوفا من مخالفته وعصيانه.
هذه هي الأسباب الموجبة للعبادة والخضوع. وأيها ينظر فيه العاقل يراه منحصرا في الله سبحانه. فالله هو المستحق للحمد، فإنه المستجمع لجميع صفات الكمال، بحيث لا يتطرق إل ى ساحة قدسه شائبة نقص. والله هو المنعم على جميع العوالم الظاهرية والباطنية المجتمعة والمتدرجة، وهو مربيها تكوينا وتشريعا. والله هو المتصف بالرحمة الواسعة غير القابلة للزوال. والله هو المالك المطلق، والسلطان على الخلق بلا شريك ولا منازع. فهو المعبود بالحق لكماله وإنعامه ورحمته وسلطانه، فلا يتوجه الانسان العاقل إلا إليه، ولا يعبد إلا إياه، ولا يستعين إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، لان ما سوى الله ممكن، والممكن محتاج في ذاته. والاستعانة والعبادة لا تكونان إلا للغني:
" يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد 35: 15 ".
وبعد أن أثبت تبارك وتعالى أنه هو المستحق للحمد والثناء بقوله: " الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين " لقن عباده أن يقولوا بألسنتهم وقلوبهم: " إياك نعبد وإياك نستعين ".
ثم أشار تعالى إلى أحوال البشر بعد إرسال الرسل، وإنزال الكتب، وإتمام الحجة عليهم، وأنهم قد انقسموا إلى ثلاثة أقسام:
الأول: من شملته العناية الإلهية والنعم القدسية، فاهتدى إلى الصراط المستقيم، فسلكه إلى مقصده المطلوب وغايته القصوى، ولم ينحرف عنه يمينا ولا شمالا.