رأيت القرآن يترفع ويرتفع، ورأيت هذه الكتب تصغر وتتصاغر.
رأيت الانسان يجهد نفسه ليكتشف ناحية خاصة أو ناحيتين، فيحرر ما اكتشفه في كتاب، ثم يسمي ذلك الكتاب تفسيرا يجلو غوامض القرآن، ويكشف أسراره، وكيف يصح في العقول أن يحيط الناقص بالكامل.
على أن هؤلاء العلماء مشكورون في سعيهم، مبرورون في جهادهم. فإن كتاب الله ألقى على نفوسهم شعاعا من نوره، ووضحا من هداه، وليس من الانصاف أن نكلف أحدا - وإن بلغ ما بلغ من العلم والتبحر - أن يحيط بمعاني كتاب الله الأعظم، ولكن الشئ الذي يؤخذ على المفسرين أن يقتصروا على بعض النواحي الممكنة، ويتركوا نواحي عظمة القرآن الأخرى، فيفسره بعضهم من ناحية الأدب أو الاعراب، ويفسره الآخر من ناحية الفلسفة، وثالث من ناحية العلوم الحديثة أو نحو ذلك، كأن القرآن لم ينزل إلا لهذه الناحية التي يختارها ذلك المفسر، وتلك الوجهة التي يتوجه إليها.
وهناك قوم كتبوا في التفسير غير أنه لا يوجد في كتبهم من التفسير إلا الشئ اليسير، وقوم آخرون فسروه بآرائهم، أو اتبعوا فيه قول من لم يجعله الله حجة بينه وبين عباده.
على المفسر: أن يجري مع الآية حيث تجري، ويكشف معناها حيث تشير، ويوضح دلالتها حيث تدل. عليه أن يكون حكيما حين تشتمل الآية على الحكمة، وخلقيا حين ترشد الآية إلى الأخلاق، وفقيها حين تتعرض للفقه، واجتماعيا حين تبحث في الاجتماع، وشيئا آخر حين تنظر في أشياء أخر.
على المفسر: أن يوضح الفن الذي يظهر في الآية، والأدب الذي يتجلى بلفظها، عليه أن يحرر دائرة لمعارف القرآن إذا أراد أن يكون مفسرا. والحق أني لم أجد من تكفل بجميع ذلك من المفسرين.
من أجل ذلك صمت على وضع هذا الكتاب في التفسير، آملا من الحق تعالى أن يسعفني بما أملت، ويعفو عني فيما قصرت. وقد التزمت في كتابي هذا أن أجمع فيه ما يسعني فهمه من علوم القرآن التي تعود إلى المعنى. أما علوم