تعلق القدرة بإخراجها من العلم إلى العين، لا تتعلق بها قدرة أخرى، لاستحالة تحصيل الحاصل، فإن تعلقت قدرة بها فباعتبار إعدامها، فذات الواجب تعالى وصفاته والممتنعات والموجودات الممكنة من حيث أنها تعلقت القدرة بها، مستثناة عقلا من الحكم على الله تعالى، بأنه على كل شئ قدير.
والقدرة في اللغة: التمكن، وقدرة الله عند الحكيم بمعنى أنه إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، لكن شاء ففعل بالمشيئة القديمة.
وحاصله، إمكان الفعل والترك بالنظر إلى الذات، ووجوب الفعل وامتناع الترك بالنظر إلى الإرادة.
وعند الأشاعرة: صفة يقتضي التمكن.
وقيل: قدرة الانسان: هيئة بها يتمكن من الفعل، وقدرة الله: نفي العجز عنه.
والقدير: الفعال لما يشاء، ولذلك قلما يوصف به غير الباري تعالى.
وإنما سمي القدير قديرا، لأنه يوقع الفعل على مقدار قوته، أو على مقدار ما تقتضيه مشيئته، أو على مقدار علمه.
وعلى ما حققناه في الآية دليل على أن الحادث حال حدوثه والممكن حال بقائه مقدوران، وأن مقدور العبد مقدور الله، لأنه شئ وكل شئ مقدور.
وهذا التمثيل كالتمثيل الأول، يحتمل أن يكون من قبيل تشبيه المفرد، وأن يكون من قبيل تشبيه المركب. فشبه على الأول ذوات المنافقين بأصحاب الصيب في اشتمال كل منهما على أمر كثير النفع، وشبه إسلام المنافقين من حيث مطلق الأقسام، لا من حيث أنه مضاف إليهم بالصيب، في أن كل واحد منهما سبب للحياة، فالأول سبب لحياة القلوب، والثاني سبب لحياة الأرض. وشبهت شبههم التي يتمسكون بها في الاستمرار على كفرهم ونفاقهم بالظلمات، ورعدهم في الظاهر على إسلامهم بالرعد، فإنه صياح بلا طائل، ووعيدهم في نفس الامر بالبرق فإنه نار محرقة، وما يصيبهم من الافزاع والبلايا من جهة المسلمين بالصواعق، وإظهارهم الايمان حذرا عن إصابة هذه المصيبات بجعل الأصابع في الآذان من الصواعق حذر الموت، واحتيارهم لما يلمع لهم رشد يدركونه بمشيهم في مطرح ضوء