تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٦٦
راجين أن تنخرطوا في سلك المتقين الفائزين بالهدى والفلاح المستوجبين لجوار الله.
أو من مفعول خلقكم، والمعطوف عليه، على معنى أنه خلقكم ومن قبلكم في صورة من يرجى منه التقوى، لترجح أمره باجتماع أسبابه وكثرة الدواعي إليه.
وقيل: تعليل للخلق، أي خلقكم لكي تتقوا.
قال بعض الفضلاء: المنادى ب‍ (يا أيها الناس) هو الناس الناسي وطن الوحدة، الآنس بأحكام الكثرة، الواصل إلى غاية الحركة النزولية، وذلك أبعد مسافة تكون في الوجود، ولذلك استعمل فيه ما وضع لنداء البعيد، وحيث كان المنادى الحصة الوجودية المتعينة من الحقيقة المطلقة الغالب عليها في مبدأ حالها الاطلاق والابهام، ثم يتخصص ويتحصص بالمرور على المراتب والاتصاف بأحكامها، حتى يصل إلى المرتبة الانسانية الوجودية الشهادية العنصرية، عبر عنه أولا بكلمة (أي) الدلالة على الابهام، ووصف ثانيا ب‍ (الناس) الدال على كمال تخصصها. ولما كان وصولها إلى هذه المرتبة بتوسط مراتب كثيرة - منبعثة من باطن الغيب إلى أقصى مراتب الشهادة - أشير إليها بحرفي التنبيه، المنبعث أولهما من باطن القلب، أعني (الهاء) وثانيهما من ساذج مار على المراتب كلها أعني الألف.
ومعنى قوله: (اعبدوا ربكم) تحققوا بعبوديته المحضة التي لا تشوبها عبودية السوى، بأن تتوهموا أن فيكم ربوبيته بالنسبة إلى غيره سبحانه (الذي خلقكم) أي ظهر بظهوركم، فهو الظاهر فيكم وأنتم المظاهر له، فما ظهر فيكم من خصائص الربوبية فهو من الرب الظاهر فيكم لا أنتم " وخلق الذين من قبلكم " أي ظهر بصورة من تقدمكم بوصول آثار الربوبية منهم إليكم، فهو الظاهر فيهم وهم المظاهر له، فما وصل منهم إليكم من آثار الربوبية فهو من الرب الظاهر لا منهم، ما انقطعت نسبة عبوديتكم عنه، وحيث وصلتم إلى شهود هذا المعنى، فأنتم عبيد متصفون بمحض العبودية، لم يبق فيكم عبودية ولا ربوبية بالنسبة إلى غيره سبحانه (لعلكم تتقون) أي عما يخرجكم عن العبودية المحضة.
ولما كان كلامه سبحانه - بصورة الصوت والحرف المثالين أو الحسيين - لا يصدر إلا بواسطة مظاهره المثالية أو الحسية، فلا يبعد أن يتحقق معنى الترجي
(١٦٦)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست