الامرين: الاعراض عما لا ينبغي، وهو المقصود بقوله: " لا تفسدوا " والاتيان بما ينبغي، وهو المطلوب بقوله: " آمنوا ". وأمرهم بالايمان بعد نهيهم عن الافساد، لان التحلية لا تتيسر إلا بعد التخلية.
كما آمن الناس: (ما) في (كما) إما كافة كما في قوله تعالى: " فبما رحمة من الله لنت لهم " (1) أو مصدرية كما في قوله تعالى: " واذكروه كما هداكم " (2) فإن كانت كافة للكاف عن العمل مصححة لدخولها على الجملة، كان التشبيه بين مضمونتي الجملتين، أي حققوا إيمانكم كما حقق الناس إيمانهم.
وإن كانت مصدرية، فالمعنى آمنوا إيمانا كإيمانهم.
وعلى التقديرين قوله: " كما آمن الناس " في موضع النصب على المصدرية، واللام للعهد، أي كما آمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن معه، وهم ناس معهودون على الاطلاق عندهم، أو من آمن من أهل بلدتهم كابن سلام وأصحابه، وهم ناس معهودون عندهم، أو للجنس. والمراد به الكاملون عندهم في الانسانية العاملون بقضية العقل. فإن اسم الجنس كما يستعمل لمسماه مطلقا، يستعمل لما يستجمع المعاني المخصوصة به والمقصودة منه، ولذلك يسلب عن غيره، فيقال: زيد ليس بإنسان.
وقد جمع الاستعمالين قول الشاعر: إذ الناس ناس والزمان زمان (3).
واستدل به على مطلبين:
أحدهما: أن توبة الزنديق مقبولة.
ثانيهما: أن الاقرار باللسان إيمان.
تقرير الأول: إن الكافرين مأمورون بالايمان، فلو لم تكن توبتهم مقبولة لم