وقوله:
أنا المرء لا عرضي قريب من العدا * ولا في للباغي علي مقال وهذا، وإن كان فيه نوع من التمدح والافتخار بأنه لا مغمز فيه من أي ناحية، سوى أنه في موضع آخر فصل ذلك متمدحا أيضا وأبانه بصورة غير مبهمة ودل عليه بالعفة المطلقة وذلك حيث يقول:
وإني لمأمور على كل خلوة * امين الهوى والقلب والعين والفم وغيري إلى الفحشاء إن عرضت له * أشد من الذؤبان عدوا على الدم وبهذا الميزان الذي يوزن به تقشف الشريف يجب أن يوزن النسك الذي ينحل لوالده، فان الخطيب في تأريخه يحكي لنا عن الصاحب بن عباد: أنه يشتهي دخول بغداد، يشتهيه جدا ليرى نسك أبي أحمد، ومن وقف على سيرة أبي أحمد يعلم أنه بطل جلاد ومسعار حروب، وأنه لا يفترق في حال عن الرؤساء العظام ذوي الخطر، الفائزين بمآثر البسالة والفتوة [1] ورجل مثله لا يشتهر له النسك بالمعنى الذي نفهمه ما يتشوق لمرآة البعيد عنه، وكنا نحسب أن لأبي احمد خصالا حميدة ليس النسك إلا أخفاها وأضعفها، وإذا هو أقواها وأظهرها. إذا فهو ليس إلا الالتزام بقوانين الدين وأحكامه، حتى لا يقارف محرما ولا يهتك حرمة ولا يحيف على أحد، لا يقارف المحرم ولا يحيف على أحد حتى في الحروب التي