ومما [1] يستدل به على ذلك قوله تعالى في وصف الجنة: (أكلها دائم وظلها...) [2]، وقد دل الدليل على أن كل مخلوق الآن لابد أن يفنى، وإذا لاقحنا بين هذين الدليلين، كان نتاجهما أن الجنة والنار غير مخلوقتين، ألا ترى إلى قوله تعالى: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا... الآية)! [3] فإذا انقضت بنية السماء وطويت كطي الكتاب، وجب أن ينتقض أيضا بنية ما يتصل بها، ويكون مستقرا عليها، وقد ثبت أن الجنة تخلق (في 4) السماء أو عليها، وتكون السماء مكانا لها أو عمادا تحتها، وقد وصفها الله تعالى كما ذكرنا بدوام الأكل وبقاء الظل، فلو كانت الآن مخلوقة في السماء لا نطوت لانطوائها وانتقض بناؤها بانتقاض بنائها.
فأما ما ذكره الله تعالى من أن آدم (ع) كان في الجنة، فاهبط منها إلى الأرض، وما جاءت به الاخبار من أن الأنبياء ينقلون إلى الجنان وينعمون إلى حين فناء العباد، فهو غير قادح فيما ذكرناه، لان المراد بهذه الجنان غير جنة الخلد التي هي قرار المآب وجنة الثواب، والجنة في أصل اللغة يعبر بها عن الرياض والمنابت والأشجار والحدائق والكروم المعروشة والنخيل المتهدلة، وعلى هذا قوله تعالى: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله...) [5]، أراد تعالى الحديقة