المصلين في المسجد الحرام، وهم يكفكفون الطير بأيديهم عن مواضع سجودهم، لشدة قربها منهم واختلاطها بهم، ولقد رأيت ظبيا وحشيا يتخرق الأسواق، ويقف على جماعة من بائعي الأقوات، فربما انتشط [1] نشطة، أو اجتذب الشئ بعد الشئ خلسة، وعليه سيماء الساكن ودعة المطمئن الآمن، حتى ربما طرد فلم يرعه الطرد ولم يفزعه الايماء باليد. وقيل لي - ولم أره -: إنه إذا جاوز أنصاب الحرم [2] خرج كالسهم المارق، أو البرق الخاطف، كأن الروعة إنما أدركته بعد خروجه من حدود الحرم ودخوله في أراضي الحل، فتبارك الله رب العالمين!
ومنها تعجيل العقوبة لمن انتهك حرمته، على عادة كانت جارية بذلك فيما تقدم، قبل استقرار الشرع ووروده بالأمر والنهي - فأما الآن فلا يجب على القديم تعالى عندنا المنع من الظلم في دار التكليف، وفي ذلك كلام طويل ليس هذا موضع ذكره - ومثل ذلك ما فعله الله تعالى في الجاهلية بمن قصد البيت الحرام لاحرابه، والحرم لانتهاكه، عام الفيل، من تعجيل النقمات وإنزال المثلات [3]، وبروك الفيل بالمغمس [4]، حتى لم يقدم به الزجر الشديد والسوق العنيف. وحديث ذلك يطول.
قال قاضي القضاة أبو الحسن: (ومثل ذلك لا يكون إلا معجزا في زمن نبي، فأما تمكن من تمكن من تخريبه ورميه بالأحجار وإحراقه بالنار، في أيام بني مروان، فلان النبوة قد ارتفعت، فلا يصح ظهور المعجز حينئذ، وإنما يصح ذلك في أزمان الأنبياء. واختلف العلماء في أن الهاء