فمن حيث دل على ذلك، وبينه لجميع ما خلق من الخلق العجيب، باكمال العقول والتكليف، صار شاهدا بأنه كذلك. فأما الملائكة فلا يجب أن تكون (شهادتها) (1) على هذا الوجه، لأنها لا يصح أن تكون دالة على حد ما دل تعالى به على نفسه وتوحيده، فالمراد أنها اعترفت بذلك وعلمته وبينته للأنبياء عليهم السلام، بالتنبيه على الأدلة وإلقاء الحجج البينة، وشهادة أولى العلم من الأنبياء والمؤمنين لغيرهم بعد البصيرة والمعرفة، كشهادة الملائكة، وإذا شهد الله تعالى بأن لا إله إلا هو، خبرا، فذلك توكيد منه لما ذكرناه، لان المعرفة بذلك من جهته إنما (تقع) (2) بالأدلة دون الخبر، وإن كان الخبر يحقق ذلك ويوضحه وينبه عليه ويؤكده، ويدل على أن المراد ما ذكرناه، أنه تعالى خص أولى العلم بالشهادة بذلك مع الملائكة، ولو كان المراد الاقرار لكان غيرهم بمنزلتهم، وإنما خصهم بذلك، إذ كانوا لأجل ما أوتوا من العلم يتمكنون من البيان لغيرهم، ولمن ينحط في العلم عن درجتهم). وفي هذا القول أيضا تنبيه من الله تعالى للخلق، وبعث لهم على معرفة التوحيد بالعقل، لتصح الشهادة بأن لا آله إلا (الله) (3)، لان الشهادة لا تحسن الا مع المعرفة بما تتضمنه، والا كانت قبيحة، (إذ) (4) كان المؤدي لها لا يؤمن أن يكون كاذبا فيها. وفي ما ذكرناه من ذلك كفاية بتوفيق الله سبحانه (5).
(٦٠)