قال: لما اشتدت الحرب علينا وعليهم وأكلت منا ومنهم، عادوا إلى ما كنا سألناهم ابتداء، وضرعوا إلينا في رفع الحرب، ورفعوا المصاحف يسألون النزول على حكمها، وإغماد السيف، فأجبناهم إلى ذلك.
قوله: " وسارعناهم إلى ما طلبوا " كلمة فصيحة، وهي تعدية الفعل اللازم، كأنها لما كانت في معنى المسابقة، والمسابقة متعدية عدى المسارعة.
قوله: " حتى استبانت "، يقول: استمررنا على كف الحرب ووضعها، إجابة لسؤالهم، إلى أن استبانت عليهم حجتنا، وبطلت معاذيرهم وشبهتهم في الحرب وشق العصا، فمن تم منهم على ذلك، أي على انقياده إلى الحق بعد ظهوره له، فذاك الذي خلصه الله من الهلاك وعذاب الآخرة ومن لج منهم على ذلك وتمادى في ضلاله فهو الراكس، قال قوم:
الراكس هنا بمعنى المركوس، فهو مقلوب فاعل بمعنى مفعول، كقوله تعالى: " فهو في عيشة راضية) (١) أي مرضية، وعندي أن اللفظة على بابها، يعنى أن من لج فقد ركس نفسه، فهو الراكس، وهو المركوس، يقال: ركسه وأركسه بمعنى، والكتاب العزيز جاء بالهمز فقال: ﴿والله أركسهم بما كسبوا﴾ (٢)، أي ردهم إلى كفرهم (٣)، ويقول: ارتكس فلان في أمر كان نجا منه، وران على قلبه، أي ران هو على قلبه، كما قلنا في الراكس، ولا يجوز أن يكون الفاعل - وهو الله - محذوفا، لان الفاعل لا يحذف، بل يجوز أن يكون الفاعل كالمحذوف، وليس بمحذوف، ويكون المصدر وهو الرين، ودل الفعل عليه كقوله تعالى: ﴿ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات﴾ (4) أي بدا لهم البداء. وران بمعنى غلب وغطى، وروى " فهو الراكس الذي رين على قلبه " .