حيفك (1) ولا ييأس ضعيف من عدلك البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا لا يمنعنك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق فان الحق ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل الفهم الفهم فيما تلجلج (2) في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة ثم اعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور عند ذلك واعمد إلى أقربها إلى الله عز وجل وأشبهها بالحق واجعل لمن ادعى حقا غائبا أو بينه أمدا ينتهى إليه فإن أحضر بينته أخذت له بحقه وإلا استحللت عليه القضية فإنه أنفى للشك وأجلى للعمى. المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا (3) في ولاء أو نسب فإن الله عز وجل تولى منكم السرائر ودرأ عنكم (4) بالبينات والايمان الشبهات إياك والغلق (5) والضجر والتأذي بالخصوم والتنكر عند الخصومات فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الاجر، ويحسن به الذخر، فمن صحت نيته وأقبل على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن تخلق للناس بما يعلم الله عز وجل منه أنه ليس من نفسه، شانه الله، فما ظنك بثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسلام.
ذكر هذه الرسالة أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في كتاب (الكامل) (6) وأطراها فقال: إنه جمع فيها جمل الاحكام واختصرها بأجود الكلام وجعل الناس بعده يتخذونه إماما فلا يجد محق عنها معدلا ولا ظالم عن حدودها محيصا.