الخروج مما يتفق أكثرهم عليه، ويرضى جمهورهم به، ولا يقرون أحدا عليه، بل يعدونه شذوذا عن الجماعة، وخلافا على الأمة.
فأما قوله: إن الافعال لا يقدح فيها بالظنون، بل يجب أن تحمل على ظاهر الصحة، وإن الفاعل إذا تقدمت له حالة تقتضي حسن الظن به، يجب أن تحمل أفعاله على ما يطابقها، فإنا متى سلمنا له بهذه المقدمة لم يتم قصده فيها، لان الفعل إذا كان له ظاهر وجب أن يحمل على ظاهره إلا بدليل يعدل بنا عن ظاهره، كما يجب مثله في الألفاظ وقد بينا أن ظاهر الشورى وما جرى فيها: يقتضى ما ذكرناه للأمارات اللائحة، والوجوه الظاهرة، فما عدلنا عن ظاهر إلى محتمل بل المخالف هو الذي يسومنا أن نعدل عن الظاهر، فأما الفاعل وما تقدم له من الأحوال، فمتى تقدم للفاعل حالة تقتضي أن يظن به الخير من غير علم ولا يقين، فلا بد أن يؤثر فيها، ويقدح أن يرى له حالة أخرى تقتضي ظن القبيح به، لدلالة ظاهرها على ذلك. وليس لنا أن نقضي بالأولى على الثانية، وهما جميعا مظنونتان لان ذلك بمنزلة أن يقول قائل: اقضوا بالثانية على الأولى، وليس كذلك إذا تقدمت للفاعل حالة تقتضي بالخير منه، ثم تليها حالة تقتضي ظن القبيح به، لأنا حينئذ نقتضي بالعلم على الظن، ونبطل حكمة لمكان العلم، وإذا صحت هذه الجملة فما تقدمت لمن ذكر حالة تقتضي العلم بالخير، وإنما تقدم ما يقتضى حسن الظن، فليس لنا ألا نسئ الظن به عند ظهور أمارات سوء الظن، لان كل ذلك مظنون غير معلوم.
وقوله: لو أراد ذلك ما منعه من أن ينص على عثمان مانع، كما لم يمنع ذلك أبا بكر من النص عليه، فليس بشئ، لأنه قد فعل ما يقوم مقام النص على من أراد إيصاله إليه، وصرفه عمن أراد أن يصرفه عنه، من غير شناعة التصريح، وحتى لا يقال فيه ما قيل في أبى بكر، ويراجع في قصته كما روجع أبو بكر، ولم يتعسف أبعد الطريقين وغرضه يتم من أقربهما!.