ونهروني حتى رفع ذلك من أمري للوليد بن عقبة فبعث إلى فحبسني.
قال وهذه الجملة التي أوردناها قليل من كثير، في أن الخلاف كان واقما، والرضا كان مرتفعا والامر إنما تم بالحيلة والمكر والخداع وأول شئ مكر به عبد الرحمن أنه ابتدأ فأخرج نفسه من الامر ليتمكن من صرفه إلى من يريد وليقال: إنه لولا إيثاره الحق وزهده في الولاية لما أخرج نفسه منها، ثم عرض على أمير المؤمنين عليه السلام ما يعلم أنه لا يجيب إليه ولا تلزمه الإجابة إليه، من السير فيهم بسيرة الرجلين وعلم أنه عليه السلام لا يتمكن من أن يقول: إن سيرتهما لا تلزمني لئلا ينسب إلى الطعن عليهما وكيف يلزم سيرتهما، وكل واحد منهما لم يسر بسيرة الاخر! بل اختلفا وتباينا في كثير من الاحكام، هذا بعد أن قال لأهل الشورى: وثقوا إلى من أنفسكم بأنكم ترضون باختياري إذا أخرجت نفسي، فأجابوه - على ما رواه أبو مخنف بإسناده - إلى ما عرض عليهم إلا أمير المؤمنين عليه السلام، فإنه قال: أنظر لعلمه بما يجر هذا المكر حتى أتاهم أبو طلحة، فأخبره عبد الرحمن بما عرض وما جاء به القوم إياه إلا عليا فأقبل أبو طلحة على علي عليه السلام، فقال: يا أبا الحسن، إن أبا محمد ثقة لك وللمسلمين، فما بالك تخافه وقد عدل بالامر عن نفسه، فلن يتحمل المأثم لغيره! فأحلف علي عليه السلام عبد الرحمن بما عرض ألا يميل إلى الهوى وأن يؤثر الحق ويجتهد للأمد ولا يحابى ذا قرابة، فحلف له، وهذا غاية ما يتمكن (1) منه أمير المؤمنين عليه السلام في الحال، لان عبد الرحمن لما أخرج نفسه من الامر، وظنت به الجماعة الخير، وفوضت (2) إليه الاختيار لم يقدر أمير المؤمنين عليه السلام على أن يخالفهم وينقض ما اجتمعوا عليه، فكان أكثر ما تمكن منه أن أحلفه، وصرح بما يخافه من جهته، من الميل إلى الهوى، وإيثار القرابة، غير أن ذلك كله لم يغن شيئا!.