شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٢ - الصفحة ٢٦٧
ونهروني حتى رفع ذلك من أمري للوليد بن عقبة فبعث إلى فحبسني.
قال وهذه الجملة التي أوردناها قليل من كثير، في أن الخلاف كان واقما، والرضا كان مرتفعا والامر إنما تم بالحيلة والمكر والخداع وأول شئ مكر به عبد الرحمن أنه ابتدأ فأخرج نفسه من الامر ليتمكن من صرفه إلى من يريد وليقال: إنه لولا إيثاره الحق وزهده في الولاية لما أخرج نفسه منها، ثم عرض على أمير المؤمنين عليه السلام ما يعلم أنه لا يجيب إليه ولا تلزمه الإجابة إليه، من السير فيهم بسيرة الرجلين وعلم أنه عليه السلام لا يتمكن من أن يقول: إن سيرتهما لا تلزمني لئلا ينسب إلى الطعن عليهما وكيف يلزم سيرتهما، وكل واحد منهما لم يسر بسيرة الاخر! بل اختلفا وتباينا في كثير من الاحكام، هذا بعد أن قال لأهل الشورى: وثقوا إلى من أنفسكم بأنكم ترضون باختياري إذا أخرجت نفسي، فأجابوه - على ما رواه أبو مخنف بإسناده - إلى ما عرض عليهم إلا أمير المؤمنين عليه السلام، فإنه قال: أنظر لعلمه بما يجر هذا المكر حتى أتاهم أبو طلحة، فأخبره عبد الرحمن بما عرض وما جاء به القوم إياه إلا عليا فأقبل أبو طلحة على علي عليه السلام، فقال: يا أبا الحسن، إن أبا محمد ثقة لك وللمسلمين، فما بالك تخافه وقد عدل بالامر عن نفسه، فلن يتحمل المأثم لغيره! فأحلف علي عليه السلام عبد الرحمن بما عرض ألا يميل إلى الهوى وأن يؤثر الحق ويجتهد للأمد ولا يحابى ذا قرابة، فحلف له، وهذا غاية ما يتمكن (1) منه أمير المؤمنين عليه السلام في الحال، لان عبد الرحمن لما أخرج نفسه من الامر، وظنت به الجماعة الخير، وفوضت (2) إليه الاختيار لم يقدر أمير المؤمنين عليه السلام على أن يخالفهم وينقض ما اجتمعوا عليه، فكان أكثر ما تمكن منه أن أحلفه، وصرح بما يخافه من جهته، من الميل إلى الهوى، وإيثار القرابة، غير أن ذلك كله لم يغن شيئا!.

(1) الشافي: (تمكن).
(2) الشافي: (وفوضوا).
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 223 - من كلام له عليه السلام في شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3
2 نكت من كلام عمر وسيرته وأخلاقه 6
3 خطب عمر الطوال 108
4 عود إلى ذكر سيرته وأخباره 112
5 نبذ من كلام عمر 116
6 أخبار عمر مع عمرو بن معد يكرب 118
7 فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة 120
8 ذكر الأحاديث الواردة في فضل عمر 177
9 ذكر ما ورد من الخبر عن إسلام عمر 182
10 تاريخ موت والأخبار الواردة بذلك 184
11 فصل في ذكر ما طعن به على عمر والجواب عنه 195
12 الطعن الأول: ما ذكروا عنه من قوله عندما علم بموت الرسول عليه السلام، والجواب عن ذلك 195
13 الطعن الثاني: ما ذكروا من أنه أمر برجم حامل حتى نبهه معاذ، والجواب عن ذلك 202
14 الطعن الثالث: ما ذكروا من خبر المجنونة التي أمر برجمها، والجواب عن ذلك 205
15 الطعن الرابع. ما ذكروه من أنه منع من المغالاة في صدقات النساء، والجواب عن ذلك 208
16 الطعن الخامس: ما ذكروه أنه كان يعطى من بيت المال مالا يجوز، والجواب عن ذلك 210
17 الطعن السادس: ما ذكروه أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة، والجواب عن ذلك 227
18 الطعن السابع: ما ذكروه أنه كان يتلون في الأحكام، والجواب عن ذلك 246
19 الطعن الثامن: ما ذكروه من قوله في المتعة، والجواب عن ذلك 251
20 الطعن التاسع: ما روى عنه في قصة الشورى، وكونه خرج بها عن الاختيار والنص جميعا، والجواب عن ذلك 256
21 الطعن العاشر: ما ذكروه من قولهم: إنه أبدع في الدين مالا يجوز، والجواب عن ذلك 281