قصة الشورى فيها شبهة ما، وجب أن نتأولها ما وجدنا لها في الخير محملا، ونلحقها بتلك الأحوال الكثيرة التي تكررت منه في الأزمان الطويلة، ولا يجوز أن نضع اليد عليها ونقول: هذه لا غيرها ونقبحها، ونهجنها، ونسد أبواب هذه التأويلات عنها، ثم نحمل أفعاله الكثيرة المتقدمة كلها عليها في التقبيح والتهجين، فهذا خلاف الواجب فقد بان صحة ما ذكره قاضى القضاة، لأنه لا حاجة بنا في القضاء بالسابق على اللاحق، إلا أن يكون خيره معلوما وعلم علما يقينا فإن الظن الغالب كاف في هذا المقام على الوجه الذي ذكرناه.
وأما قوله عن عمر: إنه بلغ ما في نفسه من ايصال الامر إلى من أراد، وصرفه عمن أراد، من غير شناعة بالتصريح، وحتى لا يقال فيه ما قيل في أبى بكر أو يراجع في نصه كما روجع أبو بكر، ولأي حال يتعسف أبعد الطريقين، وغرضه يتم من أقربهما، فقد قلنا في جوابه ما كفى، وبينا أن عمر لو أراد ما ذكر لصرف الامر عمن يريد صرفه عنه ونص على من يريد إيصال الامر إليه، ولم يبال بأحد فقد عرف الناس كلهم كيف كانت هيبته وسطوته وطاعة الرعية له، حتى إن المسلمين أطاعوه أعظم من طاعتهم رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته ونفوذ أمره فيهم أعظم من نفوذ أمره عليه السلام، فمن الذي كان يجسر أو يقدر أن يراجعه في نصه، أو يراده، أو يلفظ عنده أو غائبا عنه بكلمة تنافى مراده! وأي شئ ضر أبا بكر من مراجعة طلحة له حيث نص، ليقول المرتضى: خاف عمر من أن يراجع كما روجع أبو بكر، وقد سمع الناس ما قال أبو بكر لطلحة لما راجعه، فإنه أخزاه وجبهه، حتى دخل في الأرض، وقام من عنده وهو لا يهتدى إلى الطريق! وأين كانت هيبة الناس لأبي بكر من هيبتهم لعمر! فلقد كان أبو بكر وهو خليفة يهابه وهو رعية وسوقة بين يديه، وكل أفاضل الصحابة كان يهابه، وهو بعد لم يل الخلافة، حتى إن الشيعة تقول: إن النبي صلى الله عليه وآله يهابه، فمن