شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٢ - الصفحة ٢٨٠
قصة الشورى فيها شبهة ما، وجب أن نتأولها ما وجدنا لها في الخير محملا، ونلحقها بتلك الأحوال الكثيرة التي تكررت منه في الأزمان الطويلة، ولا يجوز أن نضع اليد عليها ونقول: هذه لا غيرها ونقبحها، ونهجنها، ونسد أبواب هذه التأويلات عنها، ثم نحمل أفعاله الكثيرة المتقدمة كلها عليها في التقبيح والتهجين، فهذا خلاف الواجب فقد بان صحة ما ذكره قاضى القضاة، لأنه لا حاجة بنا في القضاء بالسابق على اللاحق، إلا أن يكون خيره معلوما وعلم علما يقينا فإن الظن الغالب كاف في هذا المقام على الوجه الذي ذكرناه.
وأما قوله عن عمر: إنه بلغ ما في نفسه من ايصال الامر إلى من أراد، وصرفه عمن أراد، من غير شناعة بالتصريح، وحتى لا يقال فيه ما قيل في أبى بكر أو يراجع في نصه كما روجع أبو بكر، ولأي حال يتعسف أبعد الطريقين، وغرضه يتم من أقربهما، فقد قلنا في جوابه ما كفى، وبينا أن عمر لو أراد ما ذكر لصرف الامر عمن يريد صرفه عنه ونص على من يريد إيصال الامر إليه، ولم يبال بأحد فقد عرف الناس كلهم كيف كانت هيبته وسطوته وطاعة الرعية له، حتى إن المسلمين أطاعوه أعظم من طاعتهم رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته ونفوذ أمره فيهم أعظم من نفوذ أمره عليه السلام، فمن الذي كان يجسر أو يقدر أن يراجعه في نصه، أو يراده، أو يلفظ عنده أو غائبا عنه بكلمة تنافى مراده! وأي شئ ضر أبا بكر من مراجعة طلحة له حيث نص، ليقول المرتضى: خاف عمر من أن يراجع كما روجع أبو بكر، وقد سمع الناس ما قال أبو بكر لطلحة لما راجعه، فإنه أخزاه وجبهه، حتى دخل في الأرض، وقام من عنده وهو لا يهتدى إلى الطريق! وأين كانت هيبة الناس لأبي بكر من هيبتهم لعمر! فلقد كان أبو بكر وهو خليفة يهابه وهو رعية وسوقة بين يديه، وكل أفاضل الصحابة كان يهابه، وهو بعد لم يل الخلافة، حتى إن الشيعة تقول: إن النبي صلى الله عليه وآله يهابه، فمن
(٢٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 223 - من كلام له عليه السلام في شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3
2 نكت من كلام عمر وسيرته وأخلاقه 6
3 خطب عمر الطوال 108
4 عود إلى ذكر سيرته وأخباره 112
5 نبذ من كلام عمر 116
6 أخبار عمر مع عمرو بن معد يكرب 118
7 فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة 120
8 ذكر الأحاديث الواردة في فضل عمر 177
9 ذكر ما ورد من الخبر عن إسلام عمر 182
10 تاريخ موت والأخبار الواردة بذلك 184
11 فصل في ذكر ما طعن به على عمر والجواب عنه 195
12 الطعن الأول: ما ذكروا عنه من قوله عندما علم بموت الرسول عليه السلام، والجواب عن ذلك 195
13 الطعن الثاني: ما ذكروا من أنه أمر برجم حامل حتى نبهه معاذ، والجواب عن ذلك 202
14 الطعن الثالث: ما ذكروا من خبر المجنونة التي أمر برجمها، والجواب عن ذلك 205
15 الطعن الرابع. ما ذكروه من أنه منع من المغالاة في صدقات النساء، والجواب عن ذلك 208
16 الطعن الخامس: ما ذكروه أنه كان يعطى من بيت المال مالا يجوز، والجواب عن ذلك 210
17 الطعن السادس: ما ذكروه أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة، والجواب عن ذلك 227
18 الطعن السابع: ما ذكروه أنه كان يتلون في الأحكام، والجواب عن ذلك 246
19 الطعن الثامن: ما ذكروه من قوله في المتعة، والجواب عن ذلك 251
20 الطعن التاسع: ما روى عنه في قصة الشورى، وكونه خرج بها عن الاختيار والنص جميعا، والجواب عن ذلك 256
21 الطعن العاشر: ما ذكروه من قولهم: إنه أبدع في الدين مالا يجوز، والجواب عن ذلك 281