محرابه، وقتل بنوه بعده، وسبى حريمه ونساؤه، وتتبع أهله وبنو عمه بالقتل والطرد والتشريد والسجون، مع فضلهم وزهدهم وعبادتهم وسخائهم، وانتفاع الخلق بهم. فهل يمكن ألا يتعصب البشر كلهم مع هذا الشخص! وهل تستطيع القلوب ألا تحبه وتهواه، وتذوب فيه وتفنى في عشقه، انتصارا له، وحمية من أجله، وأنفة مما ناله، وامتعاضا مما جرى عليه! وهذا أمر مركوز في الطبائع، ومخلوق في الغرائز، كما يشاهد الناس على الجرف إنسانا قد وقع في الماء العميق، وهو لا يحسن السباحة، فإنهم بالطبع البشرى يرقون عليه رقة شديدة، وقد يلقى قوم منهم أنفسهم في الماء نحوه، يطلبون تخليصه، لا يتوقعون على ذلك مجازاة منه بمال أو شكر، ولا ثوابا في الآخرة، فقد يكون منهم من لا يعتقد أمر الآخرة، ولكنها رقة بشرية، وكأن الواحد منهم يتخيل في نفسه أنه ذلك الغريق، فكما يطلب خلاص نفسه لو كان هذا الغريق، كذلك يطلب تخليص من هو في تلك الحال الصعبة، للمشاركة الجنسية. وكذلك لو أن ملكا ظلم أهل بلد من بلاده ظلما عنيفا، لكان أهل ذلك البلد يتعصب بعضهم لبعض في الانتصار من ذلك الملك، والاستعداء عليه، فلو كان من جملتهم رجل عظيم القدر، جليل الشأن، قد ظلمه الملك أكثر من ظلمه إياهم، وأخذ أمواله وضياعه، وقتل أولاده وأهله، كان لياذهم به، وانضواؤهم إليه، واجتماعهم والتفافهم به أعظم وأعظم، لان الطبيعة البشرية تدعو إلى ذلك على سبيل الايجاب الاضطراري، ولا يستطيع الانسان منه امتناعا.
محصول قول النقيب أبى جعفر رحمه الله، قد حكيته والألفاظ لي والمعنى له، لأني لا أحفظ الان ألفاظه بعينها، إلا أن هذا هو كان معنى قوله وفحواه، رحمه الله. وكان لا يعتقد في الصحابة ما يعتقده أكثر الامامية فيهم، ويسفه رأى من يذهب فيهم إلى النفاق والتكفير. وكان يقول: حكمهم حكم مسلم مؤمن، عصى في بعض الأفعال وخالف الامر، فحكمه إلى الله، إن شاء آخذه، وإن شاء غفر له.