العشاء الآخرة، ما يعرف الرجل منا طول ذلك اليوم من عن يمينه ولا من عن يساره، من شدة الظلمة والنقع إلا بقرع الحديد بعضه على بعض، فيبرز منه شعاع كشعاع الشمس، فيعرف الرجل من عن يمينه ومن عن يساره، حتى إذا صلينا العشاء الآخرة جررنا قتلانا إلينا فتوسدناهم حتى نصبح، وجروا قتلاهم فتوسدوهم حتى يصبحوا. قال: قلت له يا أبا عمارة، هذا والله الصبر.
وروى ابن ديزيل، قال: كان عمرو بن العاص إذا مر عليه رجل من أصحاب على فسأل عنه، فأخبر به، فقال: يرى على ومعاوية أنهما بريئان من دم هذا.
قال ابن ديزيل: وروى ابن وهب، عن مالك بن أنس، قال: جلس عمرو ابن العاص بصفين، في رواق. وكان أهل العراق يدفنون قتلاهم، وأهل الشام يجعلون قتلاهم في العباء والأكسية يحملونهم فيها إلى مدافنهم، فكلما مر عليه برجل، قال:
من هذا؟ فيقال: فلان، فقال عمرو: كم من رجل أحسن في الله، عظيم الحال، لم ينج من قتله فلان وفلان! قال: يعنى عليا ومعاوية.
قلت: ليت شعري! لم برأ نفسه، وكان رأسا في الفتنة! بل لولاه لم تكن، ولكن الله تعالى أنطقه بهذا الكلام وأشباهه، ليظهر بذلك شكه، وأنه لم يكن على بصيرة من أمره.
وروى نصر بن مزاحم، قال: حدثني يحيى بن يعلى، قال: حدثني صباح المزني، عن الحارث بن حصن، عن زيد بن أبي رجاء، عن أسماء بن حكيم الفزاري، قال:
كنا بصفين مع علي، تحت راية عمار بن ياسر، ارتفاع الضحى، وقد استظللنا برداء أحمر، إذ أقبل رجل يستقري الصف حتى انتهى إلينا، فقال: أيكم عمار بن ياسر، فقال عمار: أنا عمار، قال: أبو اليقظان؟ قال: نعم، قال: إن لي إليك حاجة أفأنطق بها